الزمن الذي تألف فيه. وليس في القرآن الكريم أن الله آتى عيسى الإنجيل دفعة واحدة، ولا آتى موسى التوراة دفعة واحدة... والألواح التي أخذها موسى كانت تحوي الوصايا العشر فقط. ص _٠١٨
ولا مانع ـ فعلاً ـ من أن ينزل الله على بعض أنبيائه كتبًا كاملة، لكن هذه الكتب لن تكون أسسًا لرسالات بعيدة المدى واسعة الشرائع. ربما ضمت بعض العظات والعبر، وربما جمعت بعض الحكم والأناشيد، ربما حوت طائفة من الأحكام الفردية لمدة موقوتة. وذلك شيء غير ما انفرد به القرآن الكريم من خصائص وميزات، جعلت نزوله يأخذ نسقًا مربوطًا بأحوال الحياة وشئون الناس فترة كافية للإحاطة بكل دقيق وجلي منها... نعم. فالسنوات الثلاث والعشرون التي استغرقت نزول القرآن يمكن حسبانها دورة اجتماعية كاملة، ثم فيها البيان الإلهي لسياسة الحياة والأحياء.. وما تفد به القرون بعد ذلك من أحوال نفسية واجتماعية لا يعدو أن يكون صورة مكررة لما سبق أن قال القرآن كلمته فيه :" …. ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ". لقد نزل القرآن منجمًا حسب الحوادث، فلنفهم هذه الحوادث، لنفهم حقيقة القضية، ومنحى الحكم جميعًا، وهذه الحوادث ليس خصومة نشبت بين أفراد، بل هي سير حياة، وطبيعة بشر، وحال مجتمع، أو هي كما قلنا مثل يتكرر على العصور لشئون الحياة والأحياء، والقرآن النازل بإزائها هو الإرشاد الإلهي الخالد لهذه النظائر المطردة.. وخلود القرآن يرجع إلى جملة الحقائق التي حواها. إن هناك معارف يلحقها الخطأ والصواب، فطروء التغير عليها مفهوم، أما ما ثبتت صحته؛ فإن مر الأيام لا ينال منه شيئًا. إذا ثبت أن النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان، أو أن الخطين المتوازيين لا يلتقيان؛ فإن هذا الثبوت لا يتفاوت على اختلاف الليل والنهار، وهو بعد عشرة قرون مثله قبل عشرة قرون. وهناك قوانين علمية كثيرة بلغت هذه المرتبة من اليقين. وليس في قدمها ما يغض ص


الصفحة التالية
Icon