_٠١٩
من شأنها... والمعارف التي حواها القرآن هي كلها من هذا القبيل المقطوع بصدقه. سواء في ذلك وصفه الكون، أم سرده لتاريخ الأوائل، أم الأسس والعبر التي قررها لازدهار الأمم وانهيارها، وما يتبع ذلك من توجيهات مطلقة للناس أجمعين. هذا الحق كما يمد رواقه على ما جاء في القرآن من الأوصاف والأخبار والحكم المستفادة، يشمل كذلك جميع الأوامر والنواهي التي تضبط السلوك العام، وتقيمه على نهج محدود، فإن السداد لا يفوت واحدًا منها. وكما أن الصدق لا ينفك عن أي خبر جاء في القرآن الكريم، كذلك لا ينفك الرشد والخير والنفع الخاص والعام عن سائر الخطاب الإلهي المتعلق بأعمال المكلفين، فما أمر الله بشيء يمكن الاستغناء عنه ولا نهى عن شيء يحسن الإلمام به والقرون قديمها وحديثها في ذلك سواء.. والمرء قد يغير كلامه إذا تطرق الخطأ إليه في قصة يحكيها، أو تطرق القصور إليه في حكم يصدره. أو لحقه سوء التقدير وهو يصدر أمرًا ما، فإذا برئ من هذه العلل كلها، وكان الكلام بمنأى عن أعراضها، فلم يتغير القول؟ وبم يعاب؟.. إن القرآن الكريم خالد على الزمان لأن كل كلمة فيه تنزهت عن هذه العلل: ".. كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ". وقيام معانيه على الحق كقيام الشعاع على النور، والحق لا يزول ولا يحول، وذلك سر خلود القرآن. نعم. هو كتاب قديم، والمشاهد أن العالم بلغ في هذا العصر درجة من التفوق العلمي لم يسبق لها نظير، وأن الكشوف العلمية أقامت في الدنيا حضارة تكاد تنسلخ عن ماضي الإنسانية بما فيها من تفوق وسيطرة، فكيف تطرد هذه المكانة الأدبية لكتاب من مخلفات العصور الأولى؟ وكيف يستمع له بهذا الإجلال وهو يحدث ويوجه؟.. إننا لا نفزع لهذا التساؤل، بل نجيب عليه في هدوء قائلين: لو أن القرآن نزل يوم الناس هذا؛ ما تغيرت نظرته للكون، ولا وصاياه لسكانه!! نعم، ولا فاتته مع ذلك ذرة من الصدق في حديثه وتوجيهه، ووصفه للعالم ونصحه