للناس. ص _٠٢٠
إن القروي في مصر قد يخرف وهو يصف ناطحة للسحاب. ويوزع الحقوق والواجبات على ساكنيها.. ولكن المهندس الذي أشرف على البناء وعرف مداخله ومخارجه ومرافقه ودقائقه لن يرسل الكلام في هذا المجال على عواهنه. والذي قال هذه الآيات، والذي أنزل هذا القرآن من قرون طوال هو رب العالمين. فحديثه عن خلقه حديث الخبير المحيط، ومن ثم تتجدد معارف البشر ويماط اللثام عما في الكون من أسرار، ويبقى مع ذلك الوئام قائمًا بين مكتشفات العصور، وحقائق الكتاب العزيز، لِمَ ؟ " قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما ". إننا لا نزعم أن القرآن كتاب كيمياء وطبيعة وفلك، ولكننا نقرر أن الصورة الكاملة للكون- كما ترسم ملامحها هذه العلوم- تتسق مع الصورة نفسها التي ترتسم في ذهن قارئ القرآن. تتلاقى معها على كل حال. بينما تنسب إلى السماء كتب مقدسة ـ في نظر أصحابها ـ تتحدث عن الكون حديث راكب الدابة عن الطيارات النفاثة. ذاك هو الفرق بين كلمات يؤلفها الناس من عند أنفسهم؛ فهي مزيج من حق وباطل وجدل وهزل، وعلم وجهل. وبين كلمات ينزلها الخالق البارئ المصور :" عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ". وذلك هو السبب في أن الإسلام عقد صلحًا دائمًا مع العلم، بل يسر له السبيل، وزين له الغاية. أما غيره فقد دخل معه في عراك وحشي كان له أسوأ الأثر في تاريخ الحياة. ومسير الحضارات : قلت في كتابي " تأملات في الدين والحياة " :" لقد قطعت الإنسانية ثلاثة عشر قرنًا أو يزيد بعد رسالة محمد، وخطت الحضارة أشواطًا فسيحة إلى الأمام، واطردت سنة التطور في كل شيء، وقد يقال: ماذا يصنع دين، أو ماذا تصنع الأديان جملة، وقد جاءت في العصور القديمة والوسطى ونحن الآن في عصور أخرى؟!... وهذا تساؤل يمليه الجهل بطبيعة الإسلام الحنيف! ذلك أن الإسلام دين الحقيقة،