ونقدوها كما ينقد الصيارفة الصحاح والزيوف. والحق أن الوضاعين والمتساهلين روجوا على رسول الله ما لم يقله. ولكن الحق أيضًا أن أحدًا من العظماء لم تغربل آثاره بموازين أدق مما صنع علماء المسلمين مع نبيهم. ولو رفضنا السنن بعد هذا الفحص العلمي العادل لوجب أن نرفض التاريخ الأدبي والسياسي لساسة الدنيا وقادتها وشعرائها وفلاسفتها، ولوجب أن نطرح آثارهم كلها. بل إنها أحق بالإنكار من التراث الديني لنبي الإسلام، فإن طرق الإثبات هنا أقوى من طرق الإثبات في أي مجال آخر مما تواضع الناس على قبوله..!! على أن علماء الإسلام اتفقوا حينًا واختلفوا حينًا في تقويم حديث ورد حديث آخر. وفي الحكم على هذا أو ذاك بالقوة أو اللين، والقبول أو الرد... !! وتفاوت الأنظار في التصحيح والتضعيف لما ورد من السنن ينقل مركز الاعتماد مرة أخرى إلى القرآن نفسه، ويعطيه الصدارة في كل استدلال، ويجعل الأحاديث- وإن صحت- تمشي في ركابه وتعتمد عليه... ولا خلاف بين المسلمين أن كلام رسول الله مقبول على العين والرأس، وإنما يجيء الاختلاف من ثبوته أو عدم ثبوته. وفي ذلك يقول أبو حنيفة: فردي على كل رجل يحدث عن النبي بخلاف القرآن، ليس ردًّا على النبي، ولا تكذيبًا له، ولكنه رد على من يحدث عن النبي بالباطل، والتهمة دخلت عليه ليس على نبي الله- عليه الصلاة والسلام-. وكذلك كل شيء تكلم به نبي الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ، سمعناه أو لم نسمعه فعلى الرأس والعينين، قد آمنا به ونشهد أنه نبي الله، ونشهد أيضًا على النبي أنه لم يأمر بشيء نهى الله عنه، ولم يقطع شيئًا وصله الله، ولا وصف أمرًا وصف الله ذلك الأمر بغير ما وصفه به النبي، ونشهد أنه كان موافقًا لله فى جميع الأمور، ولم يبتدع ولم يتقول على الله غير ما قاله الله تعالى، ولا كان من المتكلفين، ولذلك قال الله تعالى :" من يطع الرسول فقد أطاع الله ". ص _١٥٣


الصفحة التالية
Icon