ويذكر ابن عبد البر أنه " قيل لأبي حنيفة: المحرم لا يجد الإزار أيلبس السراويل؟ قال : لا، ولكن يلبس الإزار، قيل له: ليس له إزار؟ قال يبيع السراويل ويشتري بها إزارًا، قيل له: فإن النبي ﷺ خطب وقال: " المحرم يلبس السراويل إذا لم يجد الإزار ". فقال أبو حنيفة: لم يصح في هذا عندي عن رسول الله ﷺ شيء فأفتى به، وينتهي كل امرئ إلى ما سمع. وقد صح عندنا أن رسول الله ﷺ قال " لا يلبس السراويل "، فننتهي إلى ما سمعناه. قيل له: أتخالف النبي ﷺ ؟ فقال: لعن الله من يخالف رسول الله ﷺ، به أكرمنا، وبه استنقذنا...!!! ". " وأبو حنيفة " بهذا الكلام البين يوضح منزلة السنة من القرآن ويشرح أسلوبه في فهمها، وهو أسلوب لا غبار عليه. بل هو أسلوب جلة الفقهاء- فهم جميعًا يقدمون القرآن العزيز ويعطون السنة منزلة تليه.. وسر توكيدنا لهذه الحقيقة العلمية أمور: ا- أن المسلمين الآن اتخذوا هذا القرآن مهجورًا، فهم لا يعكفون على دراساته، ولا يستقصون دلالاته، ولا يوائمون بين مجتمعهم وبين شرحه المستفيض لرسالة الحياة الصحيحة وواجبات الأحياء فيها. وفي القرآن من ذلك كله كنوز أهملها المسلمون، وعاشوا من غيرها سكارى في دنيا صحا فيها كل جنس، وتحرك إلى الأمام بقوة... ولا تحسبن أن من العناية بالقرآن تحفيظه للألوف من العرج والعميان والمساكين أو إذاعته على الناس بين الحين والحين. فإن هذا التصرف يدور بين إهانة القرآن، أو الاحترام التافه لتلاوة الحروف وتنغيم السور، وهذا ما لا يساوي في نظر العقلاء شيئًا. ٢- أن السنة النبوية- لأنها موطن للتفصيل- يجب أن يحتاط في دراستها، فكم من أحاديث صحيحة ينبغي عدم شغل العوام بها لأنهم لن يستفيدوا منها شيئًا وقد يضرهم العلم بها... ص _١٥٤


الصفحة التالية
Icon