ثم إن مرونته اللفظية تجعله واسع الدلالة، أعني سعة الورد الذي تزدحم عليه الوفود ثم تصدر عنه وهي ريانة راضية... وليست السعة التي تتحمل النقائض أو تخلق الريب. وهذه المرونة من أسباب خلود القرآن. فإن الأساليب العربية طوال أربعة عشر قرنًا عراها كثير من التغيير والتلوين اللفظي والذهني. ومع ذلك فإنه بقي ممتازًا بخصائصه وخلاصاته الآنفة، يبلى الأسلوب في عصر ما، وكان مزدهرًا في عصر سبق. أما القرآن فإن أسلوبه ظل جديدًا رائع الأثر على ترامي الأجيال إلى هذه الأيام... ٤- ومهما كتبنا في حفز الهمم لفهم القرآن والأخذ عنه، فنحن لا نعني ألبته تسويغ أي صدود في سنة الرسول العظيم. فإن القرآن حمال أوجه، وصاحب الرسالة أولى الناس بشرح الوحي الذي شرفه الله به. بل هو البشر الوحيد الذي لا تعقيب على كلامه في هذا الميدان. ومن السخف حط منزلة الرسالة وجعل النبي بشرًا لا تعدو وظيفته إبلاع كلام الله فحسب، أي أنه آلة ناقلة أو أسطوانة معبرة، أو حروف منقوشة !! إن هذا سخف عظيم، فإن الرسول جاء قارئًا وشارحًا، وسننه الثابتة بيان له حرمته في تفهمنا لمراد الله. بل إن وصاياه ونصائحه وحكمه لها وزن راجح ما يجوز التغاضي عنه، ولو كانت مؤسسة لمعان جديدة غير ما جاء في القرآن الكريم... ومن ثم، فنحن نرفض بعزم وغضب ما يحاوله بعض الناس الآن من إلقاء السنة كلها في البحر وحذفها من مجال التشريع جملة وتفصيلاً، زاعمين أن القرآن وحده يكفي المسلمين... !! إن هذا الكلام ليس إعظامًا للقرآن، بل هو خطوة إلى إهماله هو الآخر، ثم صرف المسلمين عن مصادر دينهم كلها... !! إن السنة حق، ولسنا في كتاباتنا هذه نوازن بين القرآن والسنة على أنهما طرفان متغايران. ص _١٥٦


الصفحة التالية
Icon