فإن أول معالم السنة النبوية التمسك بمنهج القرآن الكريم. وأول طاعة للقرآن الكريم المشي خلف رسول الله في فهمه له وعمله به، والاستنارة بفيوض الحكمة التي تفجرت من جوانبه بعد ما استوعب هذا القرآن وعاش به وله. ويحسن أن نختم هذا البحث بكلمة قيمة للشيخ " محمود شلتوت " حول: نهج القرآن في بيان الأحكام :" يستطيع الناظر في آيات الأحكام أن يخرج منها بجملة خواص لا يراها لغير القرآن في بيان تلك الأحكام، وهي بحسب نظرنا تتلخص فيما يأتي :- أولاً: أن بعض آيات الأحكام قد جاء بصيغة قاطعة في معنى معين، فلم تكن محل اجتهاد المجتهدين، كآيات وجوب الصلاة والزكاة، وكآيات الميراث، التي حددت أنصبة الوارثين، وكآيات حرمة الزنا والقذف وأكل أموال الناس بالباطل، والقتل بغير حق وما إلى ذلك مما اشتهر عند المسلمين، وأخذ حكم العلوم بالضرورة. وأن بعضًا آخر من آيات الأحكام جاء بصيغة لا يتعين المراد منها، وهي بذلك كانت قابلة لاختلاف الأفهام، وكانت مجالاً للبحث والاجتهاد. ومن أمثلة هذا النوع: تحديد القدر الذي يحرم الرضاع، ووجوب النفقة للمطلقة طلاقًا بائنًا، وقراءة الفاتحة في صحة الصلاة، وتحديد المسح بالرأس في الوضوء، إلى غير ذلك من الأحكام التي كانت موضع خلاف بين الأئمة.. والفرق بين النوعين أن الأول بمنزلة العقائد بحيث أن من أنكره يكون خارجًا عن الملة، بخلاف الثاني، فإن من أنكر فيها فهمًا معينًا تحتمله الآية كما تحتمل غيره لا يكون كذلك. وأن الأول واجب الاتباع عينًا على كل الناس، بخلاف الثاني؛ فإن كل مجتهد يتبع فيه ما ترجح عنده، وكذلك المقلد يتبع فيه رأي من شاء أن يقلده… ومن هذا النوع الثاني تعددت المذاهب الإسلامية، واختلفت آراء الفقهاء، واتسع نطاق ذلك الخلاف إلى درجة أن رأينا الآراء تصل إلى السبعة أو الثمانية في المسألة الواحدة، كما تجد في حكم " انعقاد الزواج بغير ولي " بل إلى درجة أن رأينا أن جميع الاحتمالات


الصفحة التالية
Icon