العقلية في المسألة الواحدة تعتبر مذاهب وآراء لغير فقيه واحد، وذلك كما ترى في حكم " القصاص في القتل بالإكراه " فمنهم من قال بوجوبه على ص _١٥٧
المكره، ومنهم من قال بوجوبه عليهما معًا، ومنهم من قال بعدم وجوبه على واحد منهما.. وفي مثل هذا- وهو كثير في الفقه الإسلامي - لا يمكن أن يقال: إن الكل دين يجب اتباعه لأنها آراء متناقضة، ولا أن يقال. إن الدين واحد معين منها، لأنه لا أولوية لبعضها على بعض، ولا أن الدين واحد منها لا بعينه، إذ أنه لا يعرف على التحديد. وإنما الذي يقال في هذا وأمثاله: إنها آراء وأفهام، للحاكم أن يختار في العمل أيها شاء تبعًا لما يراه من المصلحة. ولعل هذا هو السر في سعة الفقه الإسلامي، واستطاعته حل المشاكل الاجتماعية، مهما امتد الزمن وكثرت صور الحوادث والحضارات.. - ثانيًا : أن بيانه لتلك الأحكام لم يكن على سنن البيان المعروف في القوانين الوضعية، بأن يذكر الأوامر والنواهي جافة مجردة عن معاني الترغيب أو الترهيب وإنما يسوقها مكتنفة بأنواع من المعاني شأنها أن تخلق في نفوس الخاطبين الهيبة والمراقبة والارتياح للشعور بالفائدة العاجلة والآجلة، فيدعوهم كل هذا إلى المسارعة إليها، وامتثال الأمر نظرًا إلى واجب الإيمان، وبداعية الخوف من عقاب الله وغضبه والطمع في ثوابه ورضاه. وهذا هو الوازع الديني الذي تمتاز بغرسه في النفوس الشرائع السماوية. وهو بلا شك أكبر عون للوازع الزمني في الحصول على مهمته. وقد أشرنا إلى هذا المعنى وبينا الفائدة المترتبة على هذا النهج من جهة استنباط الأحكام، وجهة العمل بها.. وتستطيع أن تدرك هذا السر إذا رجعت إلى آيات إبطال التبني وأحكام الظهار، وإلى غيرها من آيات التشريع. وانظر في مثل قوله تعالى :" يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا


الصفحة التالية
Icon