وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا". فهذا نداء يقوم قبل كل شيء على دعم الضمير الإنساني ووصله بالله وبذلك يرشد سلوكه. - ثالثًا: لم ينهج القرآن في ذكره لآيات الأحكام منهج الكتب المؤلفة التي تذكر ص _١٥٨
الأحكام المتعلقة بشيء واحد في مكان واحد، ثم لا تعود إليه بقدر ما تدعو إليه المناسبة، وإنما فرق آيات الأحكام تفريقًا. وقد يورد ما يتعلق بالطلاق والرضاع وأحكامهما وما يتعلق بالخمر وحرمتها فيما بين ما يتعلق بالقتال وشئون اليتامى، وانظر في ذلك قوله تعالى :" حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ". إنها وقعت بين آيات الطلاق وما يتعلق به ثم انظر إلى قوله تعالى :"يسألونك عن الخمر". وما قبلها من آيات القتال والردة، وما بعدها من آيات اليتامى ونكاح المشركين. ثم انظر إلى آيات الحج التي ذكر بعضها في سورة البقرة من الآيات رقم (١٩٧ إلى ٢٥٣)، وذكر البعض الآخر في سورة الحج من الآيات رقم (٢٦ إلى ٣٨). وكذلك تجد أحكام الطلاق والزواج والرجعة، ذكر بعضها في سورة البقرة، وبعضها في سورة النساء، وبعضها في سورة الطلاق. وهكذا تجد القرآن في ذكره لآيات الأحكام، أشبه شيء ببستان فرقت ثماره وأزهاره في جميع نواحيه حتى يأخذ الإنسان أنى وجد فيه ما ينفعه وما يشتهيه من ألوان مختلفة، وأزهار متباينة. وثمار يعاون بعضها بعضًا في الروح العام الذي يقصده، وهو روح التغذية بالنافع والهداية إلى الخير... ولهذه الطريقة فيما نرى إيماء خاص، وهو أن جميع ما في القرآن وإن اختلفت أماكنه، وتعددت سوره وأحكامه، فهو وحدة عامة لا يصح تفريقه في العمل، ولا الأخذ ببعضه دون بعض، وكأنه وقد سلك هذا المسلك يقول للمكلف وهو يحدثه عن شئون الأسرة وأحكامها مثلاً: لا تشغلك أسرتك وشئونها عن مراقبة الله فيما يجب له من صلاة وخشوع. ولا ريب أن لمثل هذا الإيماء تأثيرًا في المراقبة العامة، وعدم الاشتغال بشأن عن شأن، فيكمل للروح تهذيبها،


الصفحة التالية
Icon