وللنفس صلاحها، وللعقل إدراكه، وللمجتمع صلاحه. ص _١٥٩
القواعد وتلك المقاصد، وكثيرًا ما تساعد السنة وإن كانت أحادية في بيان ما أجمله أو تشريع ما تركه... على أنه فصل نواح لابد فيها من التفصيل، سموًّا بها عن مواطن الخلاف والجدل، كما في العقائد والعبادات، أو لأنه يريدها مستمرة على الوضع الذي حدده لابتنائها على أسباب لا تختلف ولا تتغير بتغير الأزمنة والأمكنة، وذلك كما نراه في تشريع المواريث ومحرمات النكاح وعقوبة بعض الجرائم... وفي غير هذين النوعين آثر الإجمال وترك التفصيل ليحكم فيه أهل الرأي في دائرة ما بين لهم من مقاصد أو أشار إليه من قواعد.. ومن هذا نجده عرض لحل البيع والاستيثاق في الدين، ولم يذكر شيئًا من تفاصيل البيوع ولا ما يلحقها من خيارات، وما لا يلحقها... كما لم يذكر تفصيلاً ما يتعلق بموضوع الاستيثاق في الديون من تفريعات جزئية، وأحكام تفصيلية. وعرض للقيام بالقسط والعدل في الشهادة والقضاء، ولم يذكر طريق الشهادة ولا كيفية القضاء. ولا طرق رفع الدعوى... وعرض لعقوبات بعض الجنايات، ولم يذكر مقدار المسروق مثلاً، ولا مقدار الدية... وهكذا.. ونجده ذكر الصوم بحقيقته وزمانه، ورخصه، والحج وأركانه، وكثيرًا من تفاصيله، وذكر المواريت مبينًا نصيب كل وارث في حالاته المختلفة. مكتفيًا في إجمال ما أجمل بالمبادئ العامة كقاعدة " اليسر ورفع الحرج "، وقاعدة " دفع الضرر "، وقاعدة " الصلاح والفساد "، وقاعدة " سد الذرائع " وأمثال ذلك مما أفرده العلماء بالتدوين، وأخذ عنهم حكم المعلوم بالضرورة، وقد كان هذا الوضع، وهو تفصيل ما لا يتغير، وإجمال ما يتغير " من ضرورة خلود الشريعة ودوامها، فليس من المعقول أن تعرض شريعة جاءت على أساس من الخلود والبقاء والعموم، لتفصيل أحكام الجزئيات التي تقع في حاضر الأمة ومستقبلها، فإنها مع كثرتها الناشئة من كثرة التعامل وألوانه، متجددة بتجدد الزمن وصور الحياة، فلا مناص


الصفحة التالية
Icon