إذًا من هذا الإجمال والاكتفاء بالقواعد العامة، والمقاصد التي تنشدها للعالم، وبإزاء هذا حثت الشريعة على الاجتهاد، واستنباط الأحكام الجزئية التي تعرض حوادثها من قواعدها الكلية، ومقاصدها العامة.. ". ص _١٦٠
القرآن وأهل الكتاب حاجة العالم إلى القرآن لم يكن بد من إنزال هذا القرآن، وإرسال محمد يغرس في الأرض أعواده، ثم ينتصب لحراستها حتى تزهر وتثمر..!! كانت الأرض قبل بعثته سجنًا كبيرًا للحقائق والحقوق، أو كانت مثل ليالي القطبين الداكنة، لا تعرف إلا الظلام والزمهرير، فما تصلح لحياة طيبة هانئة.. وشقوة الناس تجيء من طريقين: إما الجهل بسبل الخير، وفقدان الوسائل إليها، كما يفقد الضرير نعمة البصر، وإما معرفة هذه السبل على وجه نظري بحت، والزهد في تطبيقها، لغلبة الأهواء، وشيوع المظالم،.. وكلا الأمرين وحده شر. فكيف إذا تظاهرا جميعًا على لف العالم كله في سواد مضاعف! إن العالم قبل نزول القرآن كان ينوء تحت هذين الثقلين معًا!! الجهل بالحقائق العليا، وقيام سدود كثيفة تصد عن الصراط المستقيم. وطغيان غرائز الاستعلاء والأثرة والظلم والخنوع مما جعل الألوف المؤلفة من الناس تقضي أعمارها في هذه الدنيا كما تقضيها قطعان الحيوان التي تركب حينًا، وتؤكل حينا آخر... إن السعادة الشاملة التي هيأها الله للبشر، برسالة محمد، ونزول كتابه لا يقدرها إلا الفاقهون. ونحن الذين نعرف جملة الحقائق التي كشفها القرآن- وكانت من قبله مطمورة - وأسباب الخير التي أتاحها لمستقبل العالم وما كانت لولاه تدرك -، ونحن وحدنا الذين نعرف عظم محمد وقيمة الكتاب النفيس الذي أنزله الله عليه..! وكما يأخذني العجب وأنا أتخيل المحرومين من معرفة الله الواحد الصمد، الذي لا ولد له ولا يولد، وهم يضعون الحجب على ضمائر الناس، ويستغربون صوت ذلك ص _١٦١


الصفحة التالية
Icon