النبي وهو يبين لهم ما جهلوا، ويكف أيديهم عما تصنع، ويصيح فيهم: " قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار * رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار * قل هو نبأ عظيم * أنتم عنه معرضون * ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون * إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين ". بمثل هذا التعليم الواضح المتواضع السمح، بدأ الإسلام يغزو العقول، ويقرع الآذان.. خطته لفت العالم أجمع إلى الحقيقة الكبرى التي جهلها أو جحدها، وهي توحيد الله واتباع هداه، والكفران بما عداه... لم يكن بد من هذه الرسالة التي جاء بها محمد، فإن رجال الأديان التي سبقته صفرت أيديهم من الحق، وبان عجزهم عن إسداء عون للعالم.. كان من الممكن الاستغناء عن نبوة جديدة لو أن الوحي الذي نزل على موسى وعيسى والأنبياء الكبار معهما بقي على سلامته ونقاوته، لكن إذا تطرق الباطل إليه، وغلب الغش عليه، فكيف يجوز ترك الدواء الفاسد يزيد المرضى علة على علة!! لقد كان أهل الكتاب يملكون أول أمرهم ثروة طائلة من هدايات الله، بيد أنهم على مر القرون أخذوا يفقدون غناهم، ويتحولون عن مكانتهم، حتى إذا بلغوا عصر البعثة كان الإفلاس قد حاق بهم. ومع هذا الإفلاس المخيم، فإنهم لم يتنازلوا عن دعواهم القديمة، كبعض أرباب الأسر الذين يفقدون أملاكهم، ويستبقون غرورهم وكبرياءهم!! إن الأمم قد يصيبها الفساد، مع بقاء أصولها المعنوية، ومنابعها الروحية سليمة، وهنا تكون وظيفة المصلحين رد الجماهير إلى الصواب المقرر. وإعادتها إلى القواعد التي تزحزحت عنها.. لكن ما الحيلة إذا طاش الصواب نفسه، وضاعت القواعد المعروفة.. ؟؟ إننا معشر المسلمين نتهم أهل الكتاب السابقين بأمرين محدودين: أولهما. أن التحريف اجتاح أصول دينهم، وأوهى صلتهم بالسماء، إن لم يكن قطعها. ص _١٦٢


الصفحة التالية
Icon