أي أن الرذيلة تتجزأ ويتغير وصفها بين جنس وجنس وقطر وقطر.! فالنهب حرام من فلان وحلال من فلان، والظلم جريمة في هذا القطر وفضيلة في هذا القطر..! ذاك هو منطق اليهود في فهم الشرائع، وطرق تطبيقها. وقد ذهبت الكنائس المسيحية أول عهدها إلى تحريم الربا ثم طرأ عليها تحول محزن، فإذا هي تستبيحه وتأنس إلى التعامل به : وقد تحدث المرحوم الدكتور " محمد عبد الله دراز " عن الربا، في بحث قيم له وأشار إلى موقف من لا دين لهم منه، ثم عن الأطوار التي عرضت له عند أهل الكتاب فقال: " بعد أن كنا نرى التعامل بالربا في الشرائع غير الدينية أمرًا سائغًا في حدود واسعة أو ضيقة. نرى التشريعات السامية تتجه به نحو الحظر والتحريم الكلي ". هكذا نقرأ في كتاب العهد القديم: " إذا أقرضت مالاً لأحد من أبناء شعبك... فلا تقف منه موقف الدائن. لا تطلب منه ربحًا لمالك ". وفي موضع آخر: " إذا افتقر أخوك فاحمله، لا تطلب منه ربحًا ولا منفعة ". وكذلك تقرأ في كتاب العهد الجديد " إذا أقرضتم لمن تنتظرون منهم المكافأة، فأي فضل يعرف لكم؟.. ولكن.. افعلوا الخيرات واقرضوا غير منتظرين عائدتها.. وإذًا يكون ثوابكم جزيلاً ". ولقد أجمع رجال الكنيسة ورؤساؤها، كما اتفقت مجامعها على أن هذا التعليم الصادر من السيد المسيح عليه السلام يعد تحريمًا قاطعًا للتعامل بالربا، حتى إن الآباء اليسوعيين الذين يتهمون بالميل إلى الترخيص غالبًا والتسامح في مطالب الحياة، وردت عنهم في شأن الربا عبارات صارمة، منها قول سكوبا: " إن من يقول " إن الربا ليس معصية يعد ملحدًا خارجًا عن الدين ". وقول الأب بون: " إن المرابين يفقدون شرفهم في الحياة الدنيا، وليسوا أهلاً للتكفين بعد موتهم ". ص _١٧١


الصفحة التالية
Icon