أوروبا المسيحية: هذه النظرة الدينية أقرها القانون المدني في سنة ٧٨٩ (مرسوم ايكس لا شاييل) وبقيت هي المذهب الوحيد في أوروبا طوال القرون الوسطى، ولكنها بدأت تفقد مناعتها شيئًا فشيئًا منذ عصر النهضة، على أثر الاعتراضات المتكررة التي وجهت إليها بين القرنين السادس عشر والثامن عشر، من " كالفان " إلى " مونتيسكيو ".. وكان لهذا الضعف مظهران: مظهر عملي، ومظهر تشريعي. فأما المظهر العملي فهو أن بعض الملوك والرؤساء الدينيين أنفسهم أخذوا يجترئون على انتهاك هذا التحريم علنًا. من ذلك أن " لويس الرابع عشر " اقترض بالربا ليسدد ثمن دانكرك في سنة ١٦٦٢، وأن البابا " بيوس التاسع " تعامل بالربا في سنة ١٨٦٥.. وأما المظهر التشريعي. فهو أنه منذ آخر القرن السادس عشر (١٥٩٣) وضع استثناء لهذا الحظر في أموال القاصرين. فصار يباح تثميرها بالربا بإذن من القاضي.. بلاد العرب قبل الإسلام: لم يكن قد بقي لعرب الجزيرة في الجاهلية من التراث الديني الذي تركه جدهم أبو الأنبياء، إبراهيم عليه السلام، إلا آثار قليلة لا تخلو من التحريف... ولذلك لم يفتأوا يتبعون أهواءهم ونزعاتهم المادية في أكثر عباداتهم ومعاملاتهم، وكان من ذلك تعاملهم بالربا بدون قيد من عرف ولا تشريع. ولعل مرد هذا (أولاً) إلى نزعة الاستكثار وحب الكسب التي تنمو عادة في البيئات التي تزدهر فيها التجارة كما كان الحال في مكة (ثانيًا) إلى علاقتهم المستمرة باليهود، الذين هم جيرانهم وأبناء عمومتهم.. ولعلكم تعجبون أن تكون مجاورتهم لشعب ذي شريعة سماوية تحرم الربا سببًا في تشجيعهم على التعامل به، ولكن الذي يزيل هذا العجب أن نعرف أن هذه الديانة نفسها- حسبما ورد في كتب أهلها- تبيح الربا كما تحرمه. نعم لقد سقنا آنفًا شواهد التحريم من نصوص التوراة، ولكننا وأسفاه نجد فيها أن يأخذ الربا من غير اليهودي. ولما لم يكن في هذا النص تحديد قانوني لقدر الربا المأذون فيه كان


الصفحة التالية
Icon