فالاعتراف لمحمد بالرسالة يعني أول ما يعني رجوع الناس إلى الله الحق، وبناء الإيمان به على دعائم سليمة. وإذا اعتبرنا تصحيح الإيمان أول ثمرات الرسالة التي بعث بها محمد، فإن الثمرة الثانية هي إعادة الترابط بين الإيمان والعمل الصالح، وجعل الأفراد والجماعات المنسوبة إلى الله تفعل الخير، وتترك الشر، وتحترم الحق وتتعاون على البر والتقوى. وتمقت الرذيلة، وتهش للفضيلة، وتحرص على حدود الله، وترجو ثوابه وتخشى عقابه. وتلك كلها معان جفت نضرتها بين اليهود والنصارى. وليس ما عراها من نقص وانكماش سببه الكسل والفتور، بل سببه تكون أفكار وفلسفات، تجرئ على العصيان، وتستهين بنتائجه. فاليهود يرون أنفسهم شعب الله المختار، وهم بهذا النسب المنتحل يستبيحون الأمم الأخرى، ويجحدون أي حق لها، يقترفون الكبائر، ولا يحسون خطرها، لأنهم جنس ذو نسب إلهي يجعله مدللاً مغفورًا له مهما صنع! وأما النصارى فآراؤهم في الخطيئة معروفة، ذلك أن صلب عيسى كان فداء لذنب آدم وأبنائه. والاعتراف بهذه القصة باب إلى النجاة من أشذ الورطات!!. وفتك المعاصي بالمجتمعات الأوروبية يرجع إلى شيوع هذه الفلسفة المفرطة.. وهؤلاء أساءوا إلى ديانات الله إساءة بالغة. وكان ظهور الإسلام إيذانًا بالقضاء على الخرافات التي أشاعها الفريقان جميعًا وتجديدًا للحقيقة الخالدة: أن العباد كلهم سواء عند الله، وأن الإيمان والعمل وحدهما مناط القبول.. " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ". " وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ". " وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق ". ص _١٧٦


الصفحة التالية
Icon