فهو مصدق لما بين يديه من التوراة والإنجيل، ومردد لما قاله المرسلون السابقون، ولا ينقض ما أبرموا، ولا يعني ما هدموا... وإذا لاح خلاف بين التعاليم الموروثة وبين ما جاء به هذا القرآن العزيز، فسره أن أتباع موسى وعيسى هم الذين حرفوا الوحي، وزاغوا عن صراط أنبيائهم، فإن أحدًا من أنبياء الله لم يزعم أن الله ثلاثة، أو يهون من نتائج العصيان، أو يزعم أن أوزار المجرمين يحملها عنهم قوم آخرون.. وأحكام القرآن في شرح الإيمان بالإله الواحد، وضرورة الخضوع لشرائعه دون غيرها، موافقة لما نزل به الوحي من قرون طوال على موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام. " الله لا إله إلا هو الحي القيوم * نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل * من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام ". ولما كان أنبياء الله أجمعون مثلاً كاملة للهدى والتقى والعفاف، وأئمة يقتدي بسيرتهم جمهور الأسلاف والأخلاف، فإن القرآن دفع سبل التهم والافتراءات التي نسبها إليهم اليهود والنصارى في كتبهم الحاضرة، وبرأ ساحتهم من تهم السكر والزنا والاغتيال والظلم التي نسبت إلى عدد منهم. ذلك أن القوم لم يعكروا منابع الهدى فقط، بل خدشوا أقدار الرجال الذين يحملون الحق حتى لا تبقى له نماذج تحتذى، وحتى تكون مقارنة الخطيئة أمرًا سبق إليه أصحاب الأسماء الكبيرة، فلا يشعر الصغار بحرج من مواقعتها بعد.. وآخر الدواعي لبعثة محمد، ونزول كتابه، حاجة العالم إلى رسالة تملأ أقطار النفس الإنسانية وتروي ظمأها الروحي، وتجيب تساؤلها الفكري، وتزودها بطاقة سماوية تغلب بها أهواء الأرض، وتحل عقدة الحياة، وتواكب أطوار الزمان. ونحن لا نفكر أبدًا في الغض من الرسالات الأولى أو جهد الأنبياء السابقين، فإن هذه الرسالات من الله جاءت، ولخير عباده نزلت. ولكن اللباس الذي يصلح للطفل يضيق على اليافع، وهو على


الصفحة التالية
Icon