الرجل أضيق. ص _١٧٨
وأسلوب الإقناع الذي يخاطب به الصغير لا يحقق الحكمة منه إذا وجه إلى الكبير.. ومن زعم أن الجماعات البشرية تساس في القديم والحديث بلون واحد من الكلام والاستدلال والتربية فهو مكابر. نعم، إن الأنبياء كلهم دعوا إلى توحيد الله، ما يختلف في جوهر هذه الدعوة آدم ولا نوح ولا إبراهيم ولا موسى ولا عيسى. بيد أن إقامة هذا الأصل العظيم من أصول الإيمان تختلف في جيل عن جيل، كما يختلف البناء في الأرض الرخوة عن البناء في الأرض الصلبة، وكما يختلف تدريس حقيقة علمية ما في مدارس المرحلة الثانوية عنه في صفوف الجامعات.. وفي الأمور المتماثلة يمكنك أن تقارن بين الحديث عن الله في القرآن الكريم، والحديث عن الله في بقايا الوحي المبعثرة، في إصحاحات العهد القديم والجديد. إنك تجد البون بعيدًا جدًّا بين كلام وكلام. ثم إن ما طرأ على النفس الإنسانية من تغير في أثناء مرورها شتى الحضارات واضطراد مسيرها مع أحداث الدهر، وزيادة تجاربها من الخير والشر.. جعل رباطها بالله يحتاج إلى صور أخرى من العبادات المكتوبة.. ومن هنا جاء الإسلام بعبادات لها أصل في الديانات القديمة كالصلاة والزكاة والصيام مثلاً، بيد أن وضعها وهيئتها وتوقيتها يناسب آخر الزمان، ولا يناسب أوله. إن دقات الجرس نداء له وقعه في زمان مضى.. ولكن: الله أكبر، الله أكبر، حي على الصلاة، حي الفلاح، نداء ذو طابع آخر له دوي يخامر العقل والعاطفة، دونه رنين النواقيس، مهما أحيطت به من هالات. وأثره في إيقاظ الوعي الإنساني ولفته إلى الله بقوة مما لا يمكن إنكاره. لقد جاء الإسلام، فأكد الأركان التي أقامها النبيون الأولون، واستوعب النصائح التي أدبوا بها أقوامهم، ثم أربى على ذلك بفنون من الحكمة بعثت الحياة في هدايات الله وهي آخذة طريقها إلى الأفئدة. وجعلت الإيمان العميق يتشبث بالقلوب تشبث الجذور النامية بالأرض الخصبة. ص _١٧٩


الصفحة التالية
Icon