الواجب أن يكون الغرض منها التحقيق من صحة ص _١٨٤
تلك الأفكار، أعني أنه لابد من قبول نتائج التجربة بالصورة التي تبدو فيها مشتملة على كل ما لم يكن متوقعًا منها، وكل ما يحدث فيها من الطوارئ. على أن من الطبيعي أن تجد أن من يبالغون في الإيمان بنظرياتهم لا يؤمنون بنظريات غيرهم إيمانًا كافيًا، وحينئذ يكون كل ما يشغل بال الذين يحتقرون غيرهم أن ينتقصوا نظريات هؤلاء وأن يتعمدوا نقضها. وبذلك تظل متاعب العلم كما هي، ذلك لأنهم لا يلجأون إلى التجربة إلا لهدم إحدى النظريات بدلاً من أن يكون التجاؤهم إليها للبحث عن الحقيقة. هذا إلى أنهم يلاحظون ملاحظات فاسدة. فهم لا تأخذون من تجاربهم إلا ما يتفق مع غرضهم، ويهملون ما لا يتفق مع هذا الغرض، ويعنون كل العناية باستبعاد كل ما يمكن أن يتجه اتجاه الفكرة التي يريدون هدمها ومحاربتها. ومن هذا نرى أن المرء ينتهي بهذين الطريقين المتعارضين إلى نتيجة واحدة وهي : تزييف العلم والوقائع معًا ". أقول: هذا الكلام- وإن أرسله صاحبه في مجال البحوث العلمية المتصلة بالكون والحياة - يصدق آكد الصدق على موقف أهل الكتاب من القرآن ورسوله الكريم. فقد اكتفى كل فريق بما لديه، ورفض رفضًا شديدًا أن ينظر في غيره، واعتبر معتقده الصدق الذي لا ريب فيه، واعتبر هذه الرسالة الجديدة كذبًا لا ريب فيه. وعلى ضوء هذه العقيدة القلبية- أو العقدة النفسية بتعبير أصح- أعلن أهل الكتاب سخطهم الدائم على هذا الدين، ونقمتهم المستمرة على الداخلين فيه..! وقد رمقنا أولئك المكذبين بنظرة فاحصة، فوجدناهم أنواعًا متفاوتة الكفران. فمنهم من استيقن بعد دلائل بانت له أن محمدًا حق، وأن قرآنه وحي، ولكنه انساق مع أهوائه الخاصة، وشهوات الجاه والمال، فجنح إلى مخاصمة الإسلام عن كيد وضيع، وجحود غريب: " الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون * الحق من ربك فلا تكونن


الصفحة التالية
Icon