لقد بدأ هذا الحكم، وللإسلام حضارة ضاربة الجذور في أعماق التربة الإسلامية، فإذا هو يستولى على أرجاء العالم الإسلامي الرحب، ليحيل عامرها بلقعًا، وعلمها وأدبها ونورها جهلاً وجفافًا وظلامًا، فكيف يستغرب بعدئذ أن يعجز أتم العجز عن القيام بأعباء البلاغ عن الله، وتفهيم دينه لمن لم يفهمه.. وقد تكون البلاد التي انحسر المد الإسلامي عنها قد بليت بأوضاع شر منه، بيد أن ذلك لا يغير من سنن الله في الهزيمة والنصر. ألم ينتصر المشركون في " أحد " على المسلمين، لأن هؤلاء لم يستجمعوا ما شرط الله عليهم من وسائل الظفر؟.. فلنقلها صريحة!! لقد تأخر المسلمون بدينهم منذ قرون لأن هناك خيانات جسيمة ارتكبتها أمتنا في خدمة المثل العليا وإبلاغها إلى الناس محببة جذابة كما جاءت من عند الله، وكما أحسن أداءها محمد وصحبه. ونترك الإسلام إلى النصرانية. إن الغرب لم ينهض نهضته الكبرى حتى أقصاها إقصاء عن ضروب النشاط الإنساني في مجالات البحث والتفكير والفلسفة والعلم والاقتصاد والاجتماع... ولولا نجاحه في إبعاد الدين عن هذه الآفاق لظلت أوروبا وأمريكا كما غبرتا ستة عشر قرنًا لا تعرفان شيئًا عن نظافة الأفكار والأبدان. قال جلال نوري بك :" إن الحركة الارتقائية التي بدأها اليونان، وتابعهم فيها الرومان، قد صدت النصرانية تيارها، ووقفته عن الانسياب.. وبدأ مجد روما في الأفول... ولكنها احتاجت إلى ثلاثة قرون لتتم انحطاطها... وفي النهاية قبل العقل الإنساني بشرًا عاديًّا على أنه ابن الله وبدأ بعبادته. وكان الجهل سائدًا تحت نظام الكهنوت في القرن الخامس، كان شاملاً كل مكان.. فإن النصرانية في ذلك العهد أنزلت الإنسان منزلة البهائم السائمة، التفكير كان مخالفًا للقانون!!، والتعبير عن الرأي محرم!! وكانت المناقشة معتبرة من الخطيئات الكبرى، واعتبر الإنسان ككائن نجس بعيد عن الطهر!!.. ". ".. وكان المعتقد أن الله هبط على الأرض في شخص عيسى


الصفحة التالية
Icon