حول النسخ هل في القرآن آيات معطلة الأحكام، بقيت في المصحف للذكرى والتاريخ كما يقولون، تقرأ التماسًا لأجر التلاوة فحسب، وينظر إليها كما ينظر إلى التحف الثمينة في دور الآثار، غاية ما يرجى من المحافظة عليها إثبات المرحلة التي أدتها في الماضي، أما الحاضر والمستقبل فلا شأن لها بهما؟؟! من المسلمين من يرون هذا الرأي حين يقولون بالناسخ والمنسوخ " على أساس أن الناسخ الأخير أبطل ما صدر قبله من أحكام " وهم يلجأون إلى هذا الفهم إعمالاً للنص الأخير، ودفعًا لما يتوهم من تناقض بين ظواهر الآي.. ونحن لا نميل إلى المسير مع هذا الاتجاه، بل لا نرى ضرورة للأخذ به. وسنرى عند تحقيق الموضوع أن التناقض المتوهم لا محل له، وأن التشريعات النازلة في أمر ما مرتبة ترتيبًا دقيقًا بحيث تنفرد كل آية بالعمل في المجال المهيأ لها. فإذا ذهب هذا المجال وجاء غيره تلقفته آية أخرى بتوجيه يناسبه وهكذا، فهل هذا التدرج في التشريع يسمى نسخًا ؟ إن الأدوية تبقى ما بقيت الأدواء المرصدة لها، والدواء الذي ينجح في علاج حالة ما ربما لا يذكر في علاج حالة أخرى مخالفة، وهذا لا يعد غضًّا من قيمته.. بل إن المرض الواحد قد يحتاج إلى سلسلة متعاقبة من الأشفية، تستقيم مع مراحل سيره، وضروب مضاعفاته، وأعقاب الخلاص منه! وارتباط كل دور من أدوار العلة بدواء معين شيء طبيعي، ولا معنى لتوهين دواء بعدت الحاجة عنه الآن، فقد يحتاج إليه آخرون. ونصوص القرآن الكريم لا تخرج عن حدود هذا الشبه!! وقد عجبنا من استشراء القول بالنسخ عند بعض المفسرين " حتى رأينا من يجعل المستثنى ناسخًا للمستثنى منه! فإذا قال الله تعالى: " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ". ص _١٩٥


الصفحة التالية
Icon