قالوا: إن هذه الآية منسوخة بما جاء بعدها، وهو قوله عز وجل: " إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم ". وهذا شطط مثير في إبطال الآيات لأوهى شبهة تعلق بالذهن. والذهاب مع هذا الفهم الخطأ هو الذي سوغ لبعض المفسرين إبطال جميع الآيات النازلة في معاملة الكفار بالآية التي نزلت في سورة التوبة، والتي تسمى آية السيف: " وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين ". ولا ريب أن تحكيم هدى هذه الآية في كل معاملة مع الكفار، وإلغاء ما سبقها من آيات بينات يعتبر جرأة غريبة على الوحي، وهذا التفسير- إلى جانب أنه خطأ- هو ظلم للقرآن الكريم، وحيف على أسلوبه المحكم، في معاملة صنوف البشر... نعم: قد يقع في القرآن تفصيل بعد إجمال، أو تقييد بعد إطلاق. أو تخصيص بعد تعميم، بيد أن ذلك شيء غير الزعم بأن هناك آيات بطل حكمها، أو وقف تنفيذها..!! وإذا فسروا وقوع النسخ في القرآن بالمعنى الأول فلا بأس من قبوله، أما إذا فهم النسخ على أنه إبطال لحكم سبق نزوله والإتيان بحكم جديد أصلح منه للناس، أو أدنى منه إلى الحق، فذلك ما ننفيه نفيًا باتًّا. وتطرق هذا الفهم إلى الأذهان هو الذي سول للأستاذ " أحمد أمين " أن يطلب إلى المسلمين ترك بعض الأحكام الواردة في كتابهم، وحجته أن الزمان تغير!، وأحوال الناس طرأ عليها ما لم يكن في القرون الأولى. وإذا كانت أحكام تبدلت في أقل من ربع قرن- كما يزعم- فإن حكمة التبديل أظهر بعد مرور أربعة عشر قرنًا. وهذا كلام متهافت سقيم، أظنه كتب في ساعة غيبوبة! وأين هي الأحكام التي تبدلت في القرآن؟! إن أقرب ما يتردد على الشفاء هو ما ورد في تحريم الخمر، وتحريم الخمر حكم ثابت من نصوص الكتاب الكريم، فإن الخمر لم تنزل آية بإباحة شربها ص _١٩٦


الصفحة التالية
Icon