ذلك آيات بنسخ هذه الإباحة، كلا، غاية ما هنالك أن حمل الناس على هذا التحريم اتخذ سنة التدرج في التشريع. فإن الخمر كانت أعجب شراب لدى العرب وهي عند مدمنها عادة مكينة صعبة الترك، وقد حاولت أمريكا من عشرين سنة تحريم الخمر بتشريع واحد حاسم فعجزت، وأصبح تهريبها إلى عشاقها حرفة رائجة لعشرات العصابات، فعاد البرلمان الأمريكي إلى إلغاء الحظر السابق وإباحة الخمر لجمهور السكارى. والله عز وجل أحكم من أن يفطم عباده عن هذه الآفة بكلمة واحدة. فشرع لهم ما يبعدهم عن الشراب المحرم رويدًا رويدًا، حتى إذا تمهد الجو للصراحة الكاملة، والعقاب الشديد، أعلن الحكم الذي سبق الإيماء إليه، فاعتبرت الخمر رجسًا واعتبر شاربوها مجرمين، يضربون بالعصى وبالنعال..!! والآيات التي نزلت في صدد هذا التحريم هي: " يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ". وهذه بداية تؤذن بالحظر، فالقاعدة أن ما غلب شره خيره ترك. والشرائع العامة والخاصة تقوم على ذلك الأساس. ونفع الميسر أن كسبه كان يرمى للفقراء، ونفع الخمر يجيء من الاتجار فيها، أو من النشوة الموقوتة التي تعقب تناولها.. بيد أن هذه المنافع خفيفة الوزن إذا قورنت بالأضرار والآثام التي تصحب القمار والسكر... " يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ". وهذه سياسة عملية واسعة المدى في تحريم الخمر، فإن الصلاة في الإسلام تكتنف الليل والنهار، ومعنى اليقظة التامة عند قربانها أن الذين مازالوا يستهينون بالشراب سوف يكفون عنه أغلب يومهم، كالذي تعود تدخين ثلاث علب من السجاير إذا فرض عليه أسلوب من الحرمان يباعد بينه وبين شهوته، فإن عدد ما يحرقه قد يهبط من ستين سيجارة إلى عشر أو ست. ص _١٩٧


الصفحة التالية
Icon