فليس في القرآن بالنسبة إلى الخمر أو غيرها أحكام بدأت بالتحليل، وانتهت بالتحريم، أو بدأت بالتحريم، وانتهت بالتحليل. ويرى الأستاذ الدكتور " محمد عبد الله دراز " أن تحريم الربا سلك الخطى نفسها التي مشى فيها تحريم الخمر، ولا بأس من نقل كلامه في هذا الموضوع تعميمًا لفائدته. قال: " فهل يطيب لكم أن تدرسوا معي المنهج التدريجي الذي سلكه القرآن في مسألة الربا؟، إنه لمن جليل الفائدة أن نتابع هذا السير لنرى انطباقه التام على مسلكه في شأن الخمر، لا في عدد مراحله فحسب، بل هي في أماكن نزول الوحي، وفي الطابع الذي تتسم به كل مرحلة منها. نعم، فقد تناول القرآن حديث الربا في أربعة مواضع أيضًا، وكان أول موضع منها وحيًا مكيًّا، والثلاثة الباقية مدنية، وكان كل واحد من هذه التشريعات الأربعة مشابهًا تمام المشابهة لمقابله في حديث الخمر. " ففي الآية المكية يقول الله جلت حكمته: " وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون ". هذه كما ترون موعظة سلبية. إن الربا لا ثواب له عند الله. نعم ولكنه لم يقل: إن الله ادخر لآكله عقابًا، وهذا بالضبط نظير صنيعه في آية الخمر المكية، حيث أومأ برفق إلى أن ما يتخذ سكرًا ليس من الرزق الحسن دون أن يقول: إنه رجس واجب الاجتناب. ومع ذلك، فإن هذا التفريق في الأسلوب كان كافيًا وحده في إيقاظ النفوس الحية وتنبيهها إلى الجهة التي سيقع عليها اختيار المشرع الحكيم. ص _١٩٩


الصفحة التالية
Icon