أما الموضع الثاني: فكان درسًا وعبرة قصها علينا القرآن من سيرة اليهود الذين حرم عليهم الربا فأكلوه، وعاقبهم الله بمعصيتهم. وواضح أن هذه العبرة لا تقع موقعها إلا إذا كان من ورائها ضرب من تحريم الربا على المسلمين، ولكنه حتى الآن تحريم بالتلويح والتعريض، لا بالنص الصريح. ومهما يكن من أمر، فإن هذا الأسلوب كان من شأنه أن يدع المسلمين في موقف ترقب وانتظار لنهي يوجه إليهم قصدًا في هذا الشأن نظير ما وقع بعد المرحلة الثانية في الخمر، حيث استشرفت النفوس إذ ذاك إلى ورود نهي صريح فيها. وقد جاء هذا النهي بالفعل في المرحلة الثالثة، ولكنه لم يكن إلا نهيًا جزئيًّا في أوقات الصلوات. وكذلك لم يجئ النهي الصريح عن الربا إلا في المرتبة الثالثة، وكذلك لم يكن إلا نهيًا جزئيًّا عن الربا الفاحش! الربا الذي يتزايد حتى يصير أضعافًا مضاعفة. وأخيرًا وردت الحلقة الرابعة التي ختم بها التشريع القرآني كله على ما صح عن ابن عباس، وفيها النهي الحاسم عن كل ما يزيد عن رأس مال الدين حيث يقول الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون * وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون * واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ". ص _٢٠٠


الصفحة التالية
Icon