التاريخي، إذ اعتبرت النص الثالث مرحلة نهائية، بينما هو لم يكن إلا خطوة انتقالية في التشريع، لم يختلف في ذلك محدث ولا مفسر ولا فقيه.. على أننا لو فرضنا المحال ووقفنا معهم عند هذا النص الثالث، فهل نجد فيه ربحًا لقضيتهم في التفرقة بين الربا الذي يقل عن رأس المال، والربا الذي يزيد عليه أو يساويه؟ كلا، فإنه قبل كل شيء لا دليل في الآية على أن كلمة الأضعاف شرط لابد منه في التحريم، إذ من الجائز أن يكون ذلك عناية بذم نوع من الربا الفاحش الذي بلغ مبلغًا فاضحًا في الشذوذ عن المعاملات الإنسانية، من غير قصد إلى تسويغ الأحوال المسكوت عنها التي تقل عنه في هذا الشذوذ. ومن جهة أخرى فإن قواعد العربية تجعل كلمة " أضعاف " في الآية راجعة للربا لا لرأس المال- كما قد يفهم من تفسير هؤلاء الباحثين- ولو كان الأمر كما زعموا لكان القرآن لا يحرم من الربا إلا ما بلغ ٦٠٠% من رأس المال. بينما لو طبقنا القاعدة العربية على وجهها لتغير المعنى تغيرًا تامًّا، بحيث لو افترضنا ربحًا قدره واحد في الألف أو المليون لصار بذلك عملاً محظورًا غير مشروع بمقتضى النص الذي يتمسكون به. أما القول بأن العرب قبل الإسلام لم يكونوا يعرفون إلا الربا الفاحش الذي يساوي رأس المال أو يزيد عليه، فإنه لا يصح إذا أغمضنا أعيننا عما لا يحصى من الشواهد التي نقلها أقدم المفسرين وأجدرهم بالثقة. ولقد كان الشعب العبراني- الذي يعيش والشعب العربي في صلة دائمة منذ القدم- يفهم من كلمة الربا كل زيادة على رأس المال، قلت أو كثرت. وهذا هو المعنى الحقيقي والاشتقاقي للكلمة.. أما تخصيصها بالربا الفاحش فهو اصطلاح أوربي حادث. يعرف ذلك كل مطلع على تاريخ التشريع " أ. هـ. ص _٢٠١


الصفحة التالية
Icon