المحرمات، وأنه جلت حكمته تلطف في أخذ عباده بهذا الحكم، وتدرج في حملهم عليه، وذلك بتهيئة أحوالهم النفسية والاجتماعية لقبوله وتنفيذه.. حتى إذا تكاملت الصلاحية المنشودة لتطبيق الحكم المراد. انكشف الغطاء الذي كان يتزحزح قليلاً قليلاً عن الحقيقة التشريعية الأزلية. الحقيقة التي لم تتغير ولن تتغير. والقائلون بالنسخ- على معنى إبطال حكم سابق بحكم لاحق- يتعلقون بآيات لا تخدم هذا الغرض ولا تؤدي إليه، من ذلك قول الله عز وجل: " وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون * قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين ". قالوا في تفسير الآية " إن المشركين من أهل مكة زعموا أن محمدًا يسخر من أصحابه، يأمرهم اليوم بأمر وينهاهم عنه غدًا، ما هو إلا مفتر يتقوله من تلقاء نفسه، فأنزل الله هذه الآية. والمعنى- في نظرهم- وإذا نسخنا حكم آية، فأبدلنا مكانه حكمًا آخر، والله أعلم بما ينزل- اعتراض دخل في الكلام، أي: والله أعلم بما ينزل من الناسخ، ربما هو أصلح لخلقه، وبما يغير ويبدل من أحكامه، أي هو أعلم بجميع ذلك من مصالح عباده، ففي الكلام نوع من التوبيخ والتقريع على قولهم للنبي:" إنما أنت مفتر " أي تختلقه من عندك ثم يسأل الله المشركين: لماذا يختلقه، أو ينسب إلى الافتراء من أجل التبديل والنسخ، وهو ليس إلا مبلغ عن الله. وإنما فائدة ذلك التبديل ترجع إلى مصالح العباد. ألا ترى الطبيب يأمر المريض بشرب دواء، ثم بعد ذلك ينهاه عنه. ويأمره بغيره. ثم قال المفسرون: وهذا التعبير ليس إثباتًا بأحكام أسهل، أو أقرب إلى رغبات الناس. فقد ينسخ الأشق بالأهن والأهون بالأشق فالمدار على رعاية الحكمة..". وهذه التأويلات كلها- التي نقلناها عنهم- بعيدة عن الآية. ص _٢٠٢


الصفحة التالية
Icon