وعند أقل تأمل يرى المنصف أن ما ينسب إلى المشركين من كلام حول النسخ إنما هو مفتعل، ولا يصلح جعله سببًا لنزول هذه الآية الكريمة!. فسورة النحل مكية وليس فيما نزل قبلها من الوحي الإلهي حكم نسخ بأشق منه أو بأهون، حتى يكون ذلك مثار لغط بين المشركين، أو اعتراض على القرآن بما يقع فيه من تناقض..!! أين الحلال الذي حرم، أو الحرام الذي أحل قبل سورة النحل؟ إ إن شيئًا من ذلك لم يحدث. فضلاً عن أدق يستفيض، فضلاً عن أن يتندر به المشركون، وينسبوا به محمدًا إلى الافتراء!!. بل نحن نجزم بأن مشركي مكة لم يدر بخلدهم شيء من هذا الذي جعله بعض المفسرين سببًا لنزول الآية. وإنما هو تنزيل الآيات على آراء الفقهاء والمتكلمين وتحميل القرآن مالا تتحمله آياته ولا ألفاظه من معان ومذاهب. والشرح الصحيح للآية: أن المشركين لم يقنعوا باعتبار القرآن معجزة تشهد لمحمد بصحة النبوة، وتطلعوا إلى خارق كوني من النوع الذي كان يصدر عن الأنبياء قديمًا فهو في نظرهم الآية التي تخضع لها الأعناق، أما هذا القرآن فهو كلام ربما كان محمد يجيء به من عند نفسه، وربما كان يتعلمه من بعض أهل الكتاب الذين لهم بالتوراة والإنجيل دراية... وقد رد الله سبحانه وتعالى على هذه الطعون، بأنه أدرى من المشركين بنوع الإعجاز الذي يصلح للعالم حاضره وغده وأن هذه الآية أجدى على البشر وأخلد في إنشاء الإيمان وتثبيته من أي آية أخرى، وأن الزعم بأن محمدًا انتفع بعلوم اليهود أو النصارى، ثم ألف هذا الكلام العربي بعد الاتصال بفلان أو فلان من الأعاجم المتنصرين ليس إلا سخفًا يترفع العقلاء العدول عن الخوض فيه. اقرأ الآية مرة أخرى في تجرد وبساطة تجدها لا تتحمل إلا هذا الشرح القريب، وهو الشرح الذي يربط بها ما بعدها في اتساق وإحكام: " وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون * قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا


الصفحة التالية
Icon