ولم أنس ـ وأنا أكتب ـ أن أمس قضايا دينية واجتماعية تشغل بال المسلمين خاصة، وبال العالم كله. فإن العلم المعزول عن الواقع لا سبيل له في قلبي ولا في لبي. والقرآن نفسه كتاب لا يستطاع عزله عن الحياة أبدًا. وهل نزل إلا ليخطئ أو يصوب من أفكارها؟ وإلا ليمحو أو يثبت من أحوالها؟ إنه كتاب الحياة المفعمة بالحركة المتجددة على الدهر، ولكنها الحياة القائمة على الحق، الدارجة على الصراط المستقيم. وربما حلا لبعض الفلاسفة والمفكرين أن يغلقوا على أنفسهم الأبواب، ثم يرسلوا من نوافذهم نظرات شاردة أو صائبة إلى الأفق البعيد... لكننا نحن العلماء المسلمين ما نستطيع إيصاد الأبواب بين كتابنا الأعظم بين العالم المائج بالخير والشر، كيف؟ ووظيفة كتابنا أن يتوسط الميدان ليقيم العدالة ويأذن بمرور مواكبها، وليقمع الجهالة ويحبس زبانيتها في نطاق يرد كيدهم.. ؟ ومن هنا تكاتف ساسة الغرب، وتجار الاستعمار على محاربة القرآن بالحيلة والقوة معًا. ألست ترى اللصوص إذا أرادوا سرقة بيت اجتهدوا في تحطيم مصابيحه أو قطع تيار النور عنه، حتى إذا عم الظلام وسرت الفوضى؛ اشتغلوا بالسلب والنهب وهم آمنون!! إن ذلك ما فعله الغرب وهو يمد يده الآثمة لسرقة العالم الإسلامي. لقد ركز هجومه على القرآن نفسه ليأتي على الجزء الباقي من استضاءة المسلمين به، حتى إذا أقام حجابًا كثيفًا بين الأمة المصابة وبين قرآنها؛ خلا له الجو ففعل ما يشاء. وإنك لتسمع الرئيس الإنجليزي ( غلادستون ) يصرح بهذا القصد في علانية لا تنقصها القحة. ففي أواخر القرن الماضي وقف هذا الرجل في مجلس العموم يصيح في أعضائه: "إن العقبة الكؤود أمام استقرارنا بمستعمراتنا في بلاد الإسلام شيئان ولابد من القضاء عليهما مهما كلفنا الأمر. ص _٠٠٥


الصفحة التالية
Icon