ثبوت القرآن من قرون سحيقة، والشمس ـ في مرآي العين ـ هي الشمس، لم تتغير على تعاقب الأجيال، ولم تزد ولم تنقص على اختلاف الليل والنهار..!! ومن قرون سحيقة، والقمر- في مرآي العين- هو القمر، لا يزال بين الخلف والسلف مستدير القرص، هادئ النور، لم يطرأ عليه مع اطراد الزمان تبديل، ولا نالت منه " عوامل التعرية " التي يقول العلماء: إنها تنقص الجبال الرواسي وتبريها، طولاً وعرضًا..!! ونحن المسلمين نرى القرآن الكريم حقيقة علمية ثابتة كهذه الحقائق الكونية الدائمة؛ فهو هو منذ بدأ لم يزد حرفًا، ولم ينقص..!! نقله جبريل عن الله بأمانة، ونقله كذلك محمد عن جبريل، ونقله الصحابة عن محمد، ثم تتابعت الجماهير الغفيرة، تنقله عبر القرون، حتى بلغت إلينا مثلما نزل قبل أربعة عشر قرنًا، وسنورثه نحن غيرنا بهذه الهيئة المكتملة المصونة، وسيظل الحفظة يروونه للأعصار المقبلة إلى أن ينفض سرادق الحياة والأحياء، وينقلب الناس جميعًا إلى الله..!! لا، بل سيظل القرآن في العالم الآخر باقيًا يتلوه أهله على النحو الذي نزل به أمين الوحي لأول مرة، وفي الحديث :" يقال لقارئ القرآن: اقرأ، وارق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها ". إن هذا القرآن قد اختصه الله بالحفظ والخلود. فهو حقيقة محصنة من التحريف، وهو حقيقة تغالب الفناء وتغلبه.!! وليست هذه دعوى تقوم على حماس العاطفة وتعصب الإيمان. فإن الذي نقوله هو منطق التاريخ. ومنطق التاريخ هنا يستقر في الأذهان، لا بالاستنتاج والحدس واستنطاق الآثار، بل بالحس القائم على الرؤية والسماع.!! ص _٠٢٣