ومن كان هذا شأنه في قدرته، وسعة ملكه، فلا يتقيد بآية مخصوصة يمنحها جميع أنبيائه. والآية في أصل اللغة هي : الدليل، والحجة، والعلامة على صحة الشيء، وسميت جمل القرآن آيات، لأنها بإعجازها حجج على صدق النبي، ودلائل على أنه مؤيد فيها بالوحي من الله عز وجل، من قبيل تسمية الخاص باسم العام. ولقد كان من اليهود من يشك في رسالته عليه السلام بزعمهم أن النبوة محتكرة لشعب إسرائيل! ولقد تقدمت الآيات في تفنيد زعمهم هذا عندما قالوا: " لولا أوتي مثل ما أوتي موسى ". أي من الآيات، فرد الله تعالى عليهم في مواضع: منها قوله عز وجل بعد حكاية قولهم هذا: " أولم يكفروا بما أوتي موسى ". ومنها هذه الآيات، والخطاب فيها للمؤمنين الذين كان اليهود يريدون تشكيكهم، كأنه يقول: إن قدرة الله تعالى ليست محدودة، ولا مقيدة بنوع مخصوص من الآيات. أو بآحاد منها لا تتناول غيرها، وليست الحجة محصورة في المعجزة السابقة لا تتعداها، بل الله قادر على أن يأتي بخير من الآيات التي أعطاها موسى وبمثلها، فإنه لا يعجز قدرته شيء، ولا يخرج عن ملكه شيء، كما أن رحمته ليست محصورة في شعب واحد، فيخصه بالنبوة، ويحصر فيه الرسالة... كلا...! إن رحمته وسعت كل شيء، كما أن قدرته تتصرف بكل شيء من ملك السموات والأرض الذي لا يشاركه فيه مشارك، ولا ينازعه فيه منازع، فيكون وليًّا ونصيرًا لمن آمن به، لا لمن كفر بنعمه وانحرف عن سننه.. انظر كيف أسفرت البلاغة عن وجهها في هذا المقام، فظهر أن ذكر القدرة، وسعة الملك، إنما يناسب الآيات بمعنى الدلائل، دون معنى الأحكام الشرعية، والأقوال الدالة عليها من حيث هي دالة عليها، لا من حيث هي دالة على النبوة...! ويزيد هذا المعنى سفورًا ووضوحًا قوله عقبه: " أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ". فإن بني إسرائيل لم يكتفوا بما أعطي موسى من الآيات، وتجرءوا على طلب غيرها، قالوا: " يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى


الصفحة التالية
Icon