الله جهرة ". ص _٢٠٦
وكذلك كان فرعون وقومه كلما رأوا آية طلبوا غيرها، حتى رأوا تسع آيات بينات، ولم يؤمنوا. وقوله تعالى: " كما سئل موسى " يشمل كل ذلك. وقد أرشدنا الله تعالى بهذا إلى أن التفنن في طلب الآيات، وعدم الإذعان لما يجيء النبي بها، والاكتفاء به- بعد العجز عن معارضته- هو دأب المطبوعين على الكفر. المجبولين على المعاندة والمجاحدة، فإنه قال بعد إنكار هذا الطلب: " أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل ". ويوضح هذا قوله تعالى في آية أخرى: " وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون ". والمراد: الآيات المقترحة بدليل السياق، وهو اتفاق بين المفسرين ولو كان الموضوع موضوع طلب استبدال أحكام بأحكام تنسخها، لما كان للتوعد بالكفر وجه وجيه.. وقوله تعالى " فقد ضل سواء السبيل " معناه: أنه أخطأ وسط الجادة، ومال إلى أحد الجانبين. ومتى انحرف السائر في سيره عن الوسط يخرج عن المنهج ويبعد عنه كلما أوغل في السير، فيهلك دون الوصول إلى المقصد. والمراد بسواء السبيل: الحق والخير اللذان تكمل الفطرة بالاستقامة على السير في طريقهما، ومن مال عن الحق وقع في الباطل لا محالة :" فماذا بعد الحق إلا الضلال ". هذا هو التفسير الذي تتصل به الآيات، ويلتئم بعضها على بعض، على وجه يتدفق بالبلاغة، وهو الذي يتقبله العقل، ويستحليه الذوق ". أ. هـ. ونقول: إن أمر القرآن أجل وأعز من أن تقبل فيه أخبار تزعم أن هناك آيات نزلت ثم محيت من الأذهان محوًا، أي نسخت ألفاظها ومعانيها... فروايات الآحاد- لو صحت في هذا المجال- ما أثبتت قرآنًا، فكيف إذا كانت ضعيفة؟! يرفضها النقدة، ويقبضون أيديهم عنها؟؟ وأمر القرآن كذلك أعز وأجل من أن تقبل فيه أفهام سطحية ترسل الحكم إرسالاً بأن هذه الآية بطل حكمها. أو هذا النص انتهى أمده!! ص _٢٠٧


الصفحة التالية
Icon