ثم قال في سورة الأحزاب :" إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ". فإن النص الأول عام ينتظم المدخول بها وغيرها، والنص الثاني يعطى غير المدخول بها حكمًا خاصًّا بها. وكذلك قوله تعالى في سورة النور: " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ". ثم عقب ذلك: " والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ". فإن النص الأول عام ينتظم جميع القاذفين أزواجًا كانوا أم غير أزواج، والنص الثاني جعل للأزواج حكمًا خاصًّا بهم حيث جعل إيمانهم الخمس قائمة مقام الشهداء الأربعة، وجعل للمرأة حق الخلاص من حد الزنا بأيمانها الخمس. ومثال تقييد المطلق قوله تعالى فى سورة المائدة: " حرمت عليكم الميتة والدم ". وقال في آية أخرى في سورة الأنعام: " قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا". فالنص الأول مطلق للدم المحرم. والثاني مقيد له بالدم المسفوح. هذا النوع الثاني موجود في القرآن بدون نزاع، سواء كنا نعلم من تاريخ التنزيل أن العام والمطلق سابقان في التنزيل على الخاص، والمقيدان متأخران عنه، وسواء كان المتأخر متصلاً أم متراخيًا، وسواء سرنا مع بعض الفقهاء الذين يطلقون على المتراخي من الخاص والمقيد أنه ناسخ للعام والمطلق، أم سرنا مع من يسميه تخصيصًا وتقييدًا لأن الأسماء لا تهمنا بعد الاتفاق على وجود المسميات، ويكفي أن نقول إن العام والمطلق لم ينلهما الإبطال، فإن العام لا يزال فيما عدا ما دل على خروجه من دائرة الحكم السابق، ويرجع ذلك إلى الأصل الذي قررناه في التشريع الإسلامي. وهو التدرج في التشريع والتنزيل، بحيث إذا أكمل الدين يؤخذ العام وما خصصه كأنهما ص _٢٠٩


الصفحة التالية
Icon