نص واحد، عامة كالمستثنى منه وخاصة كالمستثنى. ومن أجل ذلك لم يكن مما اهتم به القرآن الدلالة على السابق من النصين واللاحق منهما، ولا مما اهتم الأصحاب بمعرفته. لأن جملة الكتاب كما قدمنا شيء واحد. أما النوع الأول: وهو وجود نص من القرآن أبطل حكمه، أو بتساهل في العبارة: انتهى أمد حكمه ولم يعد بقاؤه إلا بصفة أنه ذكر يتلى، فهو محل نظر. إن إبطال نص لاحق لنص سابق موقوف على أحد أمرين: أولهما: أن ينص اللاحق على أنه ناسخ للسابق. ثانيهما: أن يكون بين النصين تناقض بحيث لا يمكن الجمع بينهما. فهل في نصوص القرآن شيء من ذلك؟؟! أما الأمر الأول فليس في القرآن شيء منه، اللهم إلا في ثلاثة مواضع يمكن أن تؤيد- قبيل بحثها- رأي الجمهور القائلين بأن في القرآن منسوخًا. قال تعالى في سورة الأنفال: " يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون ". ثم قال في الآية التي تليها: " الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين ". النص في هاتين الآيتين خبر والغرض منه الإنشاء، فإن الله تعالى يقول في هذه السورة: " يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ". حدًّا لهذا الأمر المطلق فإنه يوجب الثبات في تجميع الأحوال أيا كان عدد المسلمين وعدد من يقاتلهم، فأول الآيتين تحدد ما يجب الثبات أمامه بعشرة الأمثال ولم يأت في ذلك بالأمر الصريح كما جاء قبله " اثبتوا " بل جاء به على صورة الخبر لأن المراد بعث الحمية في أنفسهم، وإلهاب الغيرة في صدورهم. ص _٢١٠


الصفحة التالية
Icon