ثم جاءت الآية الثانية معنونة بعنوان التخفيف إذ علم الله فيهم ضعفًا، والمراد بالعلم هنا الظهور، يعني أنه قد ظهر فيهم ضعف لم يكن، لأنة لو كان سابقًا لكان الله قد علمه موجودًا، ولم يكن محل التشريع السابق، فهذا الضعف الحادث هو الذي اقتضى التخفيف. فإذا قلنا: إن نسبة الآية الثانية للأولى هي نسبة النص الخفيف، لعارض مع بقاء حكم النص الأول عند زوال العارض، كان حكمها حكم العزيمة مع الرخصة فإذا لم يكن بفئة هذا الضعف الذي ذكره الله سببًا للتخفيف، كان عليها أن تثبت لعشرة أمثالها. ويؤيد هذا الرأي أن العشرين المذكورة في النص الأول موصوفة بالصابرين وكذلك المائة موصوفة بكونها صابرة، فمتى وجدت صفة الصبر ثبت الحكم الأول، والصبر من لوازمه المتقدمة عليه القوة المادية وقوة القلب المعنوية. وإذا قلنا: إن النص الثاني عام في جميع الأحوال كان الأول منسوخ الحكم وهذا بعيد. ويقرب من هاتين الآيتين قوله- تعالى- في سورة المزمل: " يا أيها المزمل * قم الليل إلا قليلا * نصفه أو انقص منه قليلا * أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا * إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا * إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا * إن لك في النهار سبحا طويلا ". ثم قال في آخر السورة :" إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ". الآية الأولى نص صريح في طلب قيام جزء من الليل قريب من نصفه، وبينت ص _٢١١


الصفحة التالية
Icon