الذين كنتم تزعمون*ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين*انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون " ص _٢١٤
هذا المعنى المتصل المتماسك يجيء بعض الرواة فيقول: إن آخر آية منه نزلت بالمدينة. أما الأوليان فقد نزلتا بمكة..!! وهذا تقطيع لا يسوغ... وفي هذه السورة نفسها يقول الله عز وجل " وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ". ثم يعطف على هذا الإنشاء نعمًا أخرى يمتن بها على عباده فيقول: " ومن الأنعام حمولة وفرشا كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان " فيجيء بعض الرواة فيقول: إن الأولى مدنية والثانية مكية، أي أن المعطوف والمعطوف عليه في سياق واحد بينهما أزمنة وبلاد.. وهاك آيات تعرضت لأهل الكتاب فجاء الرواة وعدوها مدنية كأن الكلام عن أهل الكتاب في مكة لا محل له!. والواقع أن هذه الروايات ينقصها التمحيص العلمي والتحقيق التاريخي، وشيوعها بهذه الصورة يشبه شيوع القول بالنسخ مع ضعف سنده من ناحيتي العقل والنقل.. والغريب أن هذه الروايات الواهية هي التي أثبتها دون غيرها نفر من الحفاظ أشرفوا على طبع هذا المصحف أخيرًا في دار الكتب المصرية، والخطب سهل على كل حال.. وما يقال في الصفة المكية والمدنية، يقال في الترتيب الزمني لبعض السور. فسورة المزمل مثلاً تجيء الثالثة في ترتيب النزول، مع أن القارئ لا يفوته وهو يتلو آياتها ملاحظة أن قيام الليل الذي أمر به الرسول إنما يكون بقرآن كثير، يستغرق الساعات لا الدقائق، وأين هو إذا كان ما نزل سورتين فقط من قصار السور ". ! ص _٢١٥


الصفحة التالية
Icon