" قم الليل إلا قليلا * نصفه أو انقص منه قليلا * أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا ". ثم إن الوعيد الموجه إلى المكذبين، وتخويفهم بخزي الدنيا والآخرة ما يتصور إلا بعد الجهر بالدعوة، واشتباكها بجدل الخصوم ومؤامرتهم :" واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا * وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا * إن لدينا أنكالا وجحيما ". ويبدو أن عناية الحفاظ باستظهار القرآن الكريم على الوضع المأثور، أي بتوقيف الرسول نفسه قد استنفذت الاهتمام كله، فلم تتوفر الجهود على تتبع أزمنة النزول بأسلوب يقوم على الدقة الواجبة، وإن كانت الأحكام قد ظفرت بقسط وافر من العناية المشكورة. والعلماء الثقات لم تفتهم هذه النظرة الفاحصة، وينبغي- ونحن ندرس النقول المروية- أن نحتفي بآرائهم فلا تخفى بين عشرات الأقوال التافهة التي ملأ السيوطي مثلاً- بها كتابه... اختلاف الأحوال يقتضي اختلاف التوجيه، وتباين المواطن يقتضي تباين الأوصاف، وهذا وذاك دلالة انسجام لا دلالة تناقض. فإذا قال الله في المجرمين: " وقفوهم إنهم مسئولون "٠ أو قال: " فوربك لنسألنهم أجمعين ". ثم قال مرة أخرى: " فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ".. " يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام ". فليس هناك تناقض بين هذا السياق وذاك. فإن المجرمين في دنيانا هذه عندما يواجهون تبعات آثامهم " يسألون مرة أو مرتين "، ثم تمر بهم مراحل شتى قبل إيقاع العقاب عليهم، لا يسألون عن شيء، بل يقتادون في صمت إلى السجن أو الشنق!! ص _٢١٦


الصفحة التالية
Icon