أي أنه لا يكفي الأخذ من المصاحف بدون تلق عن أفواه المشايخ المتفرغين للتلاوة.! يدل على ذلك ما رواه الطبراني وغيره عن مسعود بن زيد الكندي، قال :" كان عبد الله بن مسعود يقرئ رجلاً، فقرأ الرجل الآية: ص _٠٢٤
" إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها ". قراءة مرسلة خطف فيها المدود فلم يشبعها كما ينبغي، فقال عبد الله بن مسعود: ما هكذا أقرأنها ثم تلاها مرة أخرى :" إنما الصدقاتُ للفقراء... "، ومد للفقراء المد اللازم المعروف. وشيوع القرآن الكريم على هذه الصفة الواسعة الراسخة لم يجئ عفوًا، وإنما مهدت له أسباب فعالة نوجزها هنا: ١- فالعرب في فجر الإسلام كانوا أمة لها خاصة بارزة في مآثرها ومفاخرها هي تذوق الأدب العالمي، والإقبال عليه، ونحن نعرف الأمم الآن بخلائق معينة تشيع فيها، وأطعمة مادية وأدبية تلتصق ببيئتها، ففن البناء مثلاً يبلغ أن يكون كريزة في الإيطاليين، ويستطيع النقاد أن يحصوا معالم المجتمعات في القارات الخمس، ويذكروا إلى جانب الصفات الإنسانية المشتركة صفة خاصة، أظهر وأذيع في قوم دون آخرين..!! والعرب قوم كانت تزدهيهم العبارة البليغة، ويرون المثل الأعلى للنبوغ في قصيدة جيدة، أو كلمة حكيمة، وقد أرادوا إبراز آثارهم التي تكشف عن نواحي العظمة فيهم، فكانت المعلقات السبع..!! كانت صناعة الكلام لديهم تضارع في زماننا هذا أرقى الصناعات التي تنتجها الأمم، وتقيم لها المعارض، وندعوا لها الزائرين!! وإنك لتقرأ من ولوعهم بالأدب ما يثير العجب..!! أتعرف الصحابي الجليل عبد الله بن عباس؟ إنه استمع إلى الشاعر الشيطان عمر بن أبي ربيعة في قصيدة غزل له تربو على السبعين بيتًا وحفظها؟! روى صاحب الأمالي قال: أتى ابن عباس عمر بن أبي ربيعة فأنشده قصيدته : أمن آل نعم أنت غاد فمبكر غداة غد أم رائح فمهجر؟ حتى بلغ آخرها، فقال ابن عباس: إن شئت أعدتها عليك! فقيل له: أو قد حفظتها؟! أو منكم يسمع شيئًا


الصفحة التالية
Icon