ولا يحفظه؟! وروى عن التابعي المحدث الفقيه الورع سعيد بن المسيب أنه فاضل بين شاعرين وتلا أبياتًا يحتج فيها لرأيه في ترجيح أحدهما. ص _٠٢٥
قال صاحب الأمالي: فلما انقضى الكلام استغفر الله سعيد مائة مرة يعدها بالأصابع الخمس..! وسعيد غلبته طبيعة البيئة وفطرة العرب فصنع ما صنع، وهو لم يرتكب إثمًا، وإنما رأى أنه شغل نفسه بغير ما ينتظر من مثله..!! ونخلص من ذلك إلى تقرير حقيقة معروفة عن العرب أيام الرسالة، هي ولوعهم بالآداب العليا، وحفظهم لها، وتنويههم بأصحابها..!! ٢- والقرآن الكريم، وهو المعجزة الأدبية الخالدة في لسان العرب، ما إن ظهر حتى بهر!! ولا غرو، فليس في تراث المستقدمين ولا المستأخرين نظير له. وقد استمع البلغاء له فهيمن على مشاعرهم، ونفذت بلاغته إلى شغاف قلوبهم، وإذا كانوا يعجبون بألوان من البيان أقل بمراحل مما جاء في القرآن، فكيف يكون انتباههم لهذا اللون الجديد من الحكمة التي هبطت عليهم، وأثارت دهشتهم ! إنهم- وهم عشاق الأدب البحت - واجدون فيه ما يروي غلتهم، ويسكن تطلعهم الفني إلى الكمال والجمال، فكيف إذا امتزج هذا التقدير الأدبي بالإيمان الديني، لاشك أن القرآن الكريم سيكون شغلهم بالليل والنهار..! والواقع أن الحديث الحسن النازل من عند الله أخذ يطرد سائر الأحاديث الأخرى من شعر ونثر، فإذا العرب المؤمنون يدعون حفظ المنظوم والمنثور ويتوجهون إلى حفظ الآيات البينات.! إن معجزة الإسلام واءمت طباعهم كما يتواءم الحق وغطاؤه، ومن ثم رأينا جيوشًا بأسرها تتألف من أولئك الحفاظ الواعين. ٣- ثم إن الله ـ عز وجل ـ أراد أن يقي الإسلام ما أصاب الديانات الأولى من زيغ وتحريف؛ فإن بعض هذه الديانات تلاشت حقائقها جملة، وتوارت في طوفان من الغفلة والضياع، والبعض الآخر تطرق إليه التحريف والتبديل على نحو استخفت به الحقيقة وعز إدراكها.! ومن ثم اقتضت العناية العليا أن تصاغ الرسالة الجديدة في إطار من