وليس من المحتمل أن تكون آية: " اقتربت الساعة وانشق القمر ". متأخرة في نزول السورة نفسها، لأنها أول آية في السورة، ومعروف أن نزول السور المنجمة إنما كان يعرف بنزول البسملة وأول السورة. وسبب آخر منع من تكرار المعجزات الحسية لقريش أو لغيرها من العرب أن سنة الله في المكذبين بالمعجزات بعد أن شهدوها تقضي بإهلاكهم كما هو واضح من القصص القرآني في سورة القمر وغيرها، ولكن رحمة الله كانت قد سبقت لأكثر قريش والعرب أن سيؤمنون، ويكون لهم في نشر الإسلام والجهاد في الله شأن أي شأن، فاقتضت حكمة الله ورحمته بعد أن كذب من كذب بمعجزة انشقاق القمر فاستحق الهلاك، أن يحبس الله عمن غاب عنها غيرها من المعجزات الحسية حتى لا يكذبوا بها فيهلكوا. ولابد أن تكون سنة الله قد نفذت في القليل الذي أجريت لهم معجزة انشقاق القمر من كفار قريش فيكونوا ممن هلك في بدر أو قبلها مع من هلك من المستهزئين. والحديث الذي ذكره الألوسي رواية عن أبي نعيم يشهد لهذا على ضعف فيه عند الألوسي، فقد ذكر أسماء بعض رءوس المشركين الذين شهدوا الآية وكذبوا بها وكلهم كانوا من المهلكين مثل النضر بن الحارث، وأبي جهل بن هشام. وآية الإسراء وقعت بعد آية انشقاق القمر. وهي وإن كانت من المعجزات الكبرى إلا أنها بالنسبة للمشركين لم تكن إلا خبرًا أخبرهم به النبي فكذبوه رغم امتحانهم له ﷺ في أوصاف بيت المقدس، ورغم ما كشفه من أخبار العير التي رآها في الطريق، وصدقه فيه أهلها بعد قدومها ورأوه بأعينهم في بعضها. ولو أنها صدقوه عليه الصلاة والسلام في خبر الإسراء لقص عليهم خبر المعراج وهو أكبر وأعجب من الإسراء. وكل منهما ثابت بالقرآن وبالحديث الصحيح على ظاهره عن غير تأويل. ويبدو أن من لم ير انشقاق القمر من المشركين ألح في أن يشهد آية مثلها، وأقسم وأكد أنه يؤمن لو رآها، وود النبي والمسلمون لو أنزل الله آية أخرى لعلهم يؤمنون، ص _٢٢٣


الصفحة التالية
Icon