خاتمة الإيمان صانع العجائب... عندما أنظر إلى قوافل الحجيج مندفعة صوب مكة مقبلة من أقصى المغرب أو أقصى المشرق، فيها الراكب وفيها الرجلان، تريد أن تقضي المناسك وتطوف بالبيت العتيق... أهز رأسي دهشًا وأتأمل في الوجوه الضارعة، ثم ألمس كيف استجاب الله دعاء عبد صالح من أنبيائه الطيبين، هو إبراهيم الخليل، الذي هتف في جوف فلاة موحشة، مؤذنًا بالحج، فإذا صدى الدعاء الخالص يتردد في أغوار الأزمنة السحيقة، وإذا القلوب الموقنة يتولد فيها بين الحين والحين لاهج من الشوق يسوقها سوقًا إلى زيارة بيت الله- وكأنها الحمائم تثوب إلى وكناتها- فما تجد إلا لديه المستقر والاطمئنان والرضا.. ما قيمة مكة لولا هذا البيت؟ وما رغبة الناس في زيارتها لولا داعي الإيمان؟ أجل. لولا هذا وذاك ما امتازت مكة عن سائر الصحراء التي تقع فيها، ولبقيت قفرًا من القفار المنقطعة المستوحشة.. إن ذلك مثل مصغر لشأن هذا القرآن العزيز.. فقد تأذن الله بحفظه، وأعلن أن سوف يبقى في الأرض كما نزل من السماء آيات مصونة لا يتسرب إليها دخل، ووحيًا منزهًا لا يتطرق إليه ريب، وحقًّا يطاول الليل والنهار، ما دامت السموات والأرض، وما قامت بربها الأشياء، وشاهدًا على الناس، لا يبقى معه عذر لجاهل.. وكان أن بقي هذا القرآن وأن توفر له من ضمانات الخلود ما لم يؤثر لكتاب سابق ولا لاحق.! لقد قامت أجيال غفيرة من المسلمين تتواصى بتلاوته، وتتعاون على دراسته، وتتواصى بتنقيله من سلف إلى خلف. وتوريثه جيلاً من جيل. ص _٢٢٥