وهي التي أغرت أعداءهم أن يسمعوهم القرآن الكريم وهم واثقون من أنهم لن يعملوا به، لأنهم لم يحاولوا فهمه.. أليس من المضحك المبكي أن محطة إسرائيل، ومحطات إنجلترا وفرنسا وأمريكا تذيع القرآن من عواصمها، لنسمع نحن ونطرب ونستكين..!! ودخلت " معهد الإسكندرية الديني " عقب انتهاء مرحلة الكتاب، وبعد بضع سنين كنت قد نسيت القرآن كله. وضاعت جهود أهلي سدًى.. إن العبث الشائن الذي يصرف شئون الجامع الأزهر من نصف قرن أو يزيد جعل للخيانات العلمية مرتعًا خصيبًا في هذا المعهد.!! وأكاد أجزم بأن هذه الفوضى مقصودة وأن لعملاء الاستعمار أصابع كثيرة فيها. ومن ثلاثين عامًا تقريبًا وأنا ألحظ حربًا عوانًا لسحق الكفايات، وإبراز التفاهات وجعل المناهج والامتحانات شيئًا شبه الهزل إن لم يكنه. أما عناصر البيئة التي ينبت فيها العاملون للإسلام نباتًا صالحًا يانعًا، فهي في جملتها مفقودة..! كان ينبغي أن تثقفنا أيد قوية ذكية، لتربي فينا ما بدأ به آباؤنا.. ولتمهد في نفوسنا ألف طريق إلى فقه الكتاب الذي حفظنا كلماته فقط، وبقي علينا أن نعي رسالته وأن نستوعب دلالته، وأن نسقي كذلك من أنواع العلوم ما يبصرنا بمعانيه ويقيمنا على صراطه. كان ينبغي أن ننقل من قرانا إلى جو واضح وضيء يصلنا بالعالم، ويقفنا على تاريخه الماضي والحاضر، ويقفنا في الوقت نفسه على الخير الذي يقدمه القرآن لهذا العالم المحروب كي يطعم من جوع ويأمن من خوف. غير أن ذلك للأسف لم يكن.. وعندما نلت شهادة الكفاءة كنت تقريبًا لا أحسن التلاوة عن ظهر قلب كما كنت يوم بدأت حياتي العلمية.. ثم أدركني نفحة من رحمة الله، فعزمت أن أمهر في القرآن مرة أخرى. ص _٢٢٩


الصفحة التالية
Icon