كيف تم جمعه... ؟؟ عندما آثر الرسول ـ ﷺ ـ أن يذهب إلى الرفيق الأعلى؛ ترك هذه الدنيا بعدما أدى رسالته أنجح أداء. تركها وللإسلام فيها دولة قائمة، ودعوة واضحة، وقوة مهيبة، وسلطان يعصم دماء المؤمنين وأموالهم، ويرد نزوات السفهاء عنها. تركها بعدما استقر الوحي في صدور الرجال، وبطون الكتب، وانداحت الدائرة التي يتلى فيها القرآن الكريم، حتى بلغت ألف ميل، من أقصى اليمين إلى أطراف الشام، ومن الخليج الفارسي، إلى شواطئ البحر الأحمر..! ومما يجب التنويه به أن القرآن الكريم ـ في فترة كفاح الدعوة وضغط الوثنية ـ كان يتلى ويكتب دون مصادرة تنال من أصله.. صحيح أن المشركين ضاقوا به، وثاروا عليه، بيد أن خصومتهم له كانت تتخذ في التشويش عليه طرقًا أخرى لا تتصل بجوهره.. منها تلفيق كلمات تشبه سور القرآن، وتتحدى إعجازه!!. ومنها اللغط في مجالسه، وافتعال ضجيج يمنع سماعه!!. وهذه وتلك محاولات صبيانية، لم تلبث أن ذابت في حرارة الجد وسطوة الحق!!.. والغريب أن معلمي القرآن وصلوا إلى حد من الكثرة تستحق التأمل خصوصًا في هذه الفترة المكافحة العصيبة. انظر كيف قتل سبعون قارئًا في معركة " بئر معونة " !، ومع هذه الخسارة الفادحة؛ فإن معلمي القرآن في صحراء الجزيرة لم تقع بينهم أزمة، بل ظلت وفودهم تنساب هنا وهناك من غير انقطاع. فإذا كانت هذه حال القرآن أيام غربته، وهو يشق طريقه بين الخصومات والعقبات، فكيف تكون حاله بعدما ما رست دعائمه، ووضحت معالمه، وتكونت له دولة تأخذ لربها ونفسها ما تشاء ؟. ص _٠٣١