حفاظه أربى من ذلك وأغزر. بيد أن المعارك المتوقعة بين الحق والباطل قد تظل ص _٠٣٣
مشتعلة الأوار عصرًا بعد عصر. وقد تكون مسارعة هؤلاء الأبطال الحفاظ إلى خوضها سببًا في ضياع التواتر الذي انفرد هذا القرآن به. ومن ثم يجب جمع القرآن المكتوب، وإيداعه في حرز بيد الدولة، تسكينًا لهذا الوهم، وهو وهم مبعثه كما ترى شدة الغيرة على القرآن. وإن كانت الأيام لم تتمخض عنه ولا اقتربت منه، فإن الحفاظ الواعين كلما حصدت المعارك منهم نفرًا؛ نبت مكانهم أو مثلهم أو ضعفهم. ومع ذلك فإن فكرة جمع القرآن المكتوب فكرة مقدورة مشكورة بلا ريب، وقد نفذها أبو بكر، وإليك رواية البخاري في هذا الشأن : عن زيد بن ثابت قال: بعث إليَّ أبو بكر ـ لمقتل أهل اليمامة ـ وعنده عمر، فقال أبو بكر: إن عمر جاءني، فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في كل المواطن، فيذهب من القرآن كثير، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن ! قال: قلت لعمر: كيف أفعل شيئًا لم يفعله رسول الله ؟، فقال عمر: هو والله خير! فلم يزل يراجعني في ذلك حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر عمر، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد: فقال لي أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله، فتتبع القرآن فاجمعه! قال زيد: فو الله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليَّ مما أمرني به من جمع القرآن!! فقلت: كيف تفعلان شيئًا لم يفعله رسول الله ؟! فقال أبو بكر: هو والله خير!!، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر. وفي رواية، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، ورأيت في ذلك الذي رأيا... قال فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والعسب واللخاف وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، فلم أجدها مع أحد غيره: " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز


الصفحة التالية
Icon