عليه ما عنتم … " فألحقتها في سورتها. ص _٠٣٤
قال : فكانت الصحف عند أبي بكر حياته، حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر... وسياق هذا الحديث كما رواه البخاري يحتاج إلى بيان وتوضيح... ما الذي كلف به زيد؟ إن العمل الذي كلف به زيد هو جمع النصوص المتناثرة المكتوبة بأمر رسول الله، والتي يحتفظ بها أناس كثيرون لأنفسهم، ثم تنسيق هذه الجذاذات والرقاع في ترتيب يوافق المحفوظ في صدور الرجال... وليس هذا الترتيب مستحدثًا؛ فقد بدأ بتوقيف من الرسول نفسه، إذ كان يأمر الكتبة كلما نزل وحي جديد أن يثبتوه في المكان الذي يذكر فيه كذا من القرآن النازل قبلاً… ومهمة زيد ـ والحالة هذه ـ لا تعدو ضم ما تفرق هنا وهنا على نسق معهود له ولغيره من جمهور الحفظة. وزيادة في الاستيثاق كان لا يقبل من المكتوب إلا ما شهد اثنان بأنه سجل بأمر الرسول، وهو اشتراط تمليه الحيطة الزائدة فحسب، وإلا فهو تشدد بالغ.. وهنا يحكي زيد أن ما يحفظه هو وغيره من ختام سورة براءة، وجدوا له أصلاً واحدًا مكتوبًا عند أبي خزيمة الأنصاري، وهو الرجل الذي اختصه رسول الله بمزية يعرف بها وحده، تلك أن شهادته تعدل شهادة رجلين، وبذلك تم لزيد ما ألزم به نفسه... وماذا صنع زيد، بل ماذا صنع رئيس الدولة بالمصحف الذي جمعه زيد ؟ احتفظ به عنده، إنه في نظري كوثائق العقود التي تودع للحاجة، أما حقيقتها الخارجية فليست محل جدل؛ لأنها أشبه بالمحسوسات المادية الراسخة!!.. وبقي سؤال أخير : لماذا دار هذا الحوار الوجل بين أبي بكر ووزيره، أو بينهما وبين زيد بن ثابت؟، يقول لفيف من العلماء: إنه الحرص الدقيق على إبقاء الأوضاع كما كانت أيام رسول الله، والحذر من الإتيان بجديد لم يسبق إليه النبي الكريم، ولو كان هذا الجديد جمع القرآن في مصحف واحد ؟!.. وقد يكون ذلك سبب ما حدث من أخذ ورد.. وعندي أن هذا الموقف يعود إلى استعظام أولئك الرجال