الأمر مع انتشار المسلمين في أنحاء العالم خيف أن يتفاقم، وأن ينشب حوله خصام ينال من قداسة الوحي نفسه.. ص _٠٣٦
روى البخاري عن أنس بن مالك أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام، فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة. فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى!!. فأرسل عثمان إلى "حفصة " أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك، فأرسلت بها إليه، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف... وقال عثمان للرهط القرشيين: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى " حفصة "، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سوى ذلك من القرآن كل صحيفة أو مصحف أن يحرق... وحسنًا فعل عثمان، فقد حسم بصنيعه هذا ما قد ينجم عن اختلاف الحروف من منازعات وبيلة، وجمع الناس على وجه واحد صحيح أفضل من تركهم مختلفين بين عدة وجوه، ولو صحت كلها... ولعل تطير حذيفة، وتجسيمه الخطر الموهوم، سر ذلك التصرف، وإن كنا لا نوافق على ذهاب فكره إلى ما حدث بين أهل الكتاب الأولين؛ فالمدى بعيد بعيد، بل لا وجه للشبه، ولكنه وجل مشكور، بعثت عليه الغيرة على سلامة الوحي، وحفظ كلام الله ـ عز وجل ـ.. وفي تلك المراحل التي مر بها جمع القرآن الكريم يقول شيخنا الزرقاني :" نستطيع مما سبق أن نفرق بين مرات جمع القرآن في عهوده الثلاثة: عهد النبي، وعهد أبي بكر، وعهد عثمان ـ رضي الله عنهما ـ، فالجمع في عهد النبي كان عبارة عن كتابة الآيات وترتيبها ووضعها في مكانها الخاص من سورها، ولكن مع بعثرة الكتابة، وتفرقها بين عسب، وعظام، وحجارة، ورقاع، ونحو ذلك، حسبما تتيسر


الصفحة التالية
Icon