وهذه الأحاديث- التي سنشير إليها- هي التي تتفق مع التواتر القرآني الذي لا يرقى إليه ريب. وليت شعري ما قيمة روايات الآحاد إذا خالفت من قريب أو بعيد ما تواتر من الروايات، وبلغ حد اليقين؟! لقد كان القرآن كتابًا، معدود السور، مرتب الآيات، مدونًا في شتى المصاحف، يتلى آناء الليل وأطراف النهار على النحو المعهود للخاصة والعامة جميعًا، فلماذا يحتفي المؤلفون بطائفة من الروايات التي ربما أوهم ظاهرها غير هذا ؟ كان رسول الله ـ ﷺ الله عليه وسلم ـ يتلو أحيانًا نحو ربع القرآن دفعة واحدة في إحدى الركعات من صلاة الليل. وعن عبد الله بن عمرو قال: جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة فبلغ ذلك النبي ـ ﷺ ـ فقال: اقرأه في شهر. وروى مسروق قال: ذكر عبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود ثم قال: لا أزال أحبه، سمعت النبي ـ ﷺ الله عليه وسلم ـ يقول: خذوا القرآن من أربعة، من عبد الله ابن مسعود، وسالم، ومعاذ، وأُبي بن كعب. وروى قتادة سألت أنس بن مالك: مَن جمع القرآن على عهد النبي ـ ﷺ ـ؟ قال: أربعة كلهم من الأنصار: أبي، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. وظاهر أن " أنسًا " يذكر من يعرفهم، ولا يحصي، بدليل الحديث قبله، وبدليل ما روي كذلك عند الطبراني وابن عساكر عن الشعبي : جمع القرآن على عهد الرسول ـ ﷺ ـ ستة من الأنصار: أبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ومعاذ بن جبل، وأبو الدرداء، وسعيد بن عبيد، وأبو زيد، ومجمع بن جارية. وكان قد أخذه كله إلا سورتين أو ثلاثًا.. وهذه الروايات على سبيل التمثيل فحسب، وإلا فالحفاظ من الأنصار والمهاجرين وأبناء القبائل الأخرى جمهور غفير،.. وقد مر بك أنهم عشرات ومئات. ثم إن تسمية الوحي الأعلى بالقرآن ليست أولى من تسميته بالكتاب، فكلا اللفظين علم عليه. وقد توفي صاحب الرسالة والقرآن متلو كله، مكتوب كله.. ص _٠٣٩