وأجدني هنا مسوقًا إلى ذكر أمر ذي بال. إن تكليف القرآن أن يخلق من الطفولة رجولة ناضجة، أو من البله البين عبقرية نادرة شيء متعذر!. هب رجلاً عملاقًا بادي الطول والعرض ذهب إلى خياط ماهر راق، ومعه ذراعان من القماش، وقال له فصل لي من هاتين الذراعين ثوبًا سابغًا!!. ماذا عساه يصنع ذلك الخياط ؟! هل المهارة مهما بلغت تستطيع أن تخلق من ثوب الصبي ثوبًا لرجل بدين طوال؟! إن القصر في الخصائص الفطرية، والنقص في المواد الإنسانية الأولى للتكوين الصحيح شيء يعز على العلاج. ونحن نكلف الدين شططًا حين ننتظر من كتابه الكريم أن يصنع المستحيل. والمشكلة ليست فيما يصنعه الدين بذوي العاهات العقلية والروحية، إنما المشكلة في ما تكون حال الدين إذا حمله أولئك المصابون التعساء ؟!! كيف يعرضونه مستقيمًا هاديًا وهو يخرج من أنفسهم كما يخرج الشعاع من زجاج محدب ملون، لا تكاد تبصر على ضوئه شيئًا ؟؟ إن الله عز وجل يقول لنبيه: " وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون ". فالطوائف التي لديها صلاحية طبيعية للعلم هي التي تتبين.. أما التي تفقد هذه الصلاحية ابتداء؛ فهيهات أن تتبين، وهيهات أن يكون أصحابها مرشدين..! في بعض الموازين التي يستغلها الباعة قد تميل إحدى الكفتين عن الأخرى ميلاً عنيفًا، لخلل في محور الارتكاز. يقتضي علاجه أن تضع ثقلاً كبيرًا في الكفة الشائلة حتى تتساوى مع زميلتها.. هذا العلاج المؤقت قد تتغلب به فترة ما على الخلل الواقع، بيد أن ذلك لا يعطي الميزان صلاحية تقيم العدل وتمنع الغش.. ونحن في عالم الأفكار والمشاعر قد نستطيع التغلب على الخلل الذهني عند نفر من التلامذة، أو نفر من العوام، أما أن نجعل من أصحاب هذا الخلل موازين للقيم الروحية والتوجيهات الدنيوية والأخروية؛ فهذا معناه إشاعة الغش وفرض البخس على الناس. ص _٠٠٧