وقد رأيت كثيرًا من الناس يدلفون إلى الدين من باب الخدم، ويخرجون إلى الدنيا كذلك من باب الخدم.. هناك نساء يفشلن في الحب، أو يشبعن من الخطايا، أو تقع لهن كوارث تقيم بينهن وبين الحياة المشتهاة حجابًا كثيفًا، فماذا يفعلن بأنفسهن؟ يذهبن إلى الدير وينذرن أنفسهن لله إلى الأبد!!. وهناك رجال كذلك طردتهم الحياة من ميادينها، فلجأوا إلى الدين، إذ لا ملجأ غيره.!! فإذا كان موظفًا أحيل على المعاش عرف طريقه إلى صفوف المساجد. وإذا كان منكوبًا في ناحية ما من دنياه تحول إلى الدين يلتمس في رحابه متسعًا..! وأبواب الإنابة لا تغلق في وجه محزون يلتمس العزاء، ولا في وجه آيب إلى الله ينشد حسن الختام. بيد أن قيادة الحياة إلى الله لا تستمد رجالها من هؤلاء وأولئك. إن الدين قمة الكمال الإنساني النابت في ربوع القوة والنور والحركة والعزم. والقرآن الكريم كتاب يجيء إلى البشر أجمعين ليبني قواهم على الحق، ولينشئ عواطفهم على الخير، وليجعل التعاون على البر والتقوى، الصلة الفذة لمجتمعهم، والغاية الكبرى من تواصل عمرانهم. إن كثيرًا من المسلمين جعلوا القرآن على هامش حياتهم، وتركوا حفظه ودرسه للمنقطعين والمصابين. وهم بهذا المسلك يخونون الله ورسوله، ويخونون أنفسهم. وإبعاد القرآن عن الحياة العامة ليكون نغمًا للمرتزقة بأصواتهم. أو شارة للفاشلين في دنياهم نذير شؤم يتهددنا بأوخم العواقب.. إننا نريد أن يكون القرآن ضياءً لآفاق حياتنا كلها كما يستضيء العالم بالشمس في رائعة النهار.. محمد الغزالي. ص _٠٠٨


الصفحة التالية
Icon