ثبوت.. و ثبوت..!! لا يزعم النصارى أن الأناجيل الكنسية القائمة الآن وحي من الله إلى عيسى بن مريم، بل هم يقفون بها عند حدودها العتيدة، ويرونها سيرًا خاصة كتبها رجال معينون، وأودعوها ما لديهم من معارف ووصايا، وتواريخ لحياة السيد المسيح، ومن ثم ينسبون كل إنجيل لكاتبه فحسب!!.. وإطلاق كلمة " إنجيل "على هذه التواليف مجاز قد يوقع في اللبس؛ إذ يحسب العامة أن هناك صلات بين تلك القصص المكتوبة، وبين الإنجيل الذي ثبت لدينا أن الله أنزله على نبيه عيسى بن مريم، وهو الكتاب المقدس الذي قلنا إنه غير موجود الآن، لأنه- كما يبدو- ذهب مع الاضطهاد اليهودي الروماني القديم، ذلك الاضطهاد الذي أودى برسالة عيسى، وانتهى بوفاته على نحو غريب.. والواقع المسلم به هو دليل ذلك الاستنتاج البين.. وإلا فأين يا ترى إنجيل عيسى بن مريم؟؟.. وإذا اتضح ذلك: يمكننا أن ننفي أية مقابلة بين القرآن الكريم، وبين إنجيل ما من الأناجيل، فلا موضع ألبتة لمقارنة بين وحي إلهي منزل، وبين كلام إنساني مؤلف.! ذاك من ناحية " المتن ". أما من ناحية " السند "، فلا موضع ألبتة للمقارنة بين ما تواتر نقله، وتلقاه جمهور من العدول الموثقين عن جمهور مثله، وبين أشياء يرويها أفراد، لو أن كل واحد منهم ثقة ما بلغ حديثه درجة اليقين الجازم.. إن مجال المقابلة يوجد بين هذا القرآن وبين الإنجيل المنزل على عيسى نفسه وهو إنجيل لا تشك في أنه حق؛ لأن الله ـ عز وجل ـ أخبرنا بذلك في كتابه الأخير، فقال: " وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ". ص _٠٤٣


الصفحة التالية
Icon