فإن هناك وجه شبه بين الأناجيل، وبين حديث الآحاد عندنا، أعني منها الأحاديث " المرسلة " و " المعضلة " و " المنقطعة " و " الموضوعة "... وقد يكون هناك شبه بين بعض تعاليم عيسى، وبين ما صح من كلام محمد ـ عليهما الصلاة السلام ـ. والأمر يحتاج إلى فضل إيضاح.. ذلك أن علماء الإسلام حرروا ما ينسب لنبيهم على ضوء قواعد لا يجد العقل منفذًا لخدشها، فنقلة الكلام يجب أن يكونوا سلسلة موصولة الحلقات من الرجال العدول الثقات، فإذا انخرمت السلسلة في موضع، أو تطرق الطعن إلى أحد الرواة، لم يكن الحديث موضع تسليم... وإذا اتصلت السلسلة، وسلمت أقدار الرواة، نظر بعد ذلك إلى الكلام نفسه، فقد تكون به علل قادحة، يستبينها النقدة على طول التأمل، وقد يكون فيه شذوذ عما استراح إليه العقل والنقل من طرق أخرى، فإن وجد شيء من ذلك رفض الحديث... ولا نظن أن هناك دقة في وزن الكلام، وتصحيح نسبته، وتقدير قيمته. فوق ما وصل إليه علماء المسلمين في هذا المجال.. ولنضرب طائفة من الأمثلة الكاشفة المقارنة لترسخ في الأذهان هذه الحقائق.. روى أحمد بن حنبل بسنده عن الحسن البصرى، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: " من استمع إلى آية من كتاب الله كتب له حسنة مضاعفة، ومن تلاها كانت له نورًا يوم القيامة "... هذا الحديث تضمن معنى جميلاً.. بيد أن العلماء يحكمون عليه بالضعف مع ذلك! ولم ؟!، لأن الجمهور يرى أن الحسن البصري لم يسمع من أبي هريرة، وإذن فالسلسلة منقطعة في أحد المواضع، وانقطاع السلسلة يزري بالرواية في حديث آحاد، ويجعل العلماء في حل من رده. فماذا تقول إذا علمت أن كاتب إنجيل "لوقا"، لم ير عيسى، ولم يسمع منه؟!! إن انقطاع السلسلة بين " لوقا " و"عيسى"، يحل العلماء من قبول مؤلفه هذا دون حرج.. وذلك كله على فرض سلامة المتن، وسلامة بقية الرواة.. ص _٠٤٦